وأن يملك علم الغيب فيحصل على كل خير محجوب عن العيون مستور عن الابصار فيجلبه إلى نفسه، ويدفع كل شر مستقبل كامن عن نفسه وبالجملة يستكثر من الخيرات ويصان من المكاره.
وأن يرتفع عن درجة البشرية إلى مقام الملكية أي يكون ملكا منزها من ألواث الطبيعة ومبرى من حوائج البشرية ونقائصها فلا يأكل ولا يشرب ولا ينكح ولا يقع في تعب اكتساب الرزق واقتناء لوازم الحياة وأمتعتها.
فهذه هي جهات الفضل التي تزعمون أن الرسول يجب أن يؤتاها ويمتلكها فيستقل بها، وقد أخطأتم فليس للرسول إلا الرسالة وإني لست أدعى شيئا من ذلك فلا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك، وبالجملة لست أدعى شيئا من الفضل الذي تتوقعونه حتى تكذبوني بفقده، وإنما أقول إني على بينة من ربى تصدق رسالتي وآتاني رحمة من عنده.
والمراد بقوله: (خزائن الله) جميع الذخائر والكنوز الغيبية التي ترزق المخلوقات منها ما يحتاجون إليه في وجودهم وبقائهم ويستعينون به على تتميم نقائصهم وتكميلها.
فهاتيك هي التي تزعم العامة أن الأنبياء والأولياء يؤتون مفاتيحها ويمتلكون بها من القدرة ما يفعلون بها ما يشاءون ويحكمون ما يريدون كما اقترح على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد حكاه الله تعالى إذ يقول: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتى بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا) أسرى: 93.
وإنما قال: (ولا أعلم الغيب) ولم يقل: ولا أقول إني أعلم الغيب لان هذا النوع من العلم لما كان مما يضن به ولا يسمح بإظهاره لم يكن قول القائل: لا أقول