ويظهر أيضا ما في بعض ما ذكره أرباب التفاسير في معنى الآية كقول بعضهم:
إن معناها أحكمت آياته فلم تنسخ منها كما نسخت الكتب والشرائع ثم فصلت ببيان الحلال والحرام وسائر الأحكام.
وفيه: أن الواجب على هذا المعنى ان يقيد عدم النسخ بعدم النسخ بكتاب غير القرآن ينسخ القرآن بعده كما نسخ القرآن غيره فإن وجود النسخ بين الآيات القرآنية نفسها مما لا ينبغي الارتياب فيه. والتقييد المذكور لا دلالة عليه من جهة لفظ الآية.
وكقول بعضهم: إن المراد أحكمت آياته بالامر والنهى ثم فصلت بالوعد والوعيد والثواب والعقاب. وفيه أنه تحكم لا دليل عليه أصلا.
وكقول بعضهم: إن المراد إحكام لفظها بجعلها على أبلغ وجوه الفصاحة حتى صار معجزا، وتفصيلها بالشرح والبيان. والكلام في هذا الوجه كسابقه.
وكقول بعضهم: المراد بإحكام آياته جعلها محكمة متقنة لا خلل فيها ولا باطل، والمراد بتفصيلها جعلها متتابعة بعضها إثر بعض. وفيه: ان التفصيل بهذا المعنى غير معهود لغة إلا ان يفسر بمعنى التفرقة والتكثير ويرجع حينئذ إلى ما قدمناه من المعنى.
وكقول بعضهم: إن المراد أحكمت آياته جملة ثم فرقت في الانزال آية بعد آية ليكون المكلف أمكن من النظر والتأمل.
وفيه: أن الأحرى بهذا الوجه أن يذكر في مثل قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) الدخان: 3، وقوله: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) أسرى: 106 وما في هذا المعنى من الآيات مما يدل على أن للقرآن مرتبة عند الله هي اعلى من سطح الافهام ثم نزل إلى مرتبة تقبل التفهم والتفقه رعاية لحال الافهام العادية كما يشير إليه أيضا قوله: (والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلى حكيم) الزخرف: 4.
وأما آيتنا التي نحن فيها: (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت) الخ، فقد علق