عليه أورد النذر والبشارة بعد ذكر التوحيد، والوعد الجميل الذي يتضمنه قوله:
(يمتعكم) الخ، بعد ذكر الاستغفار والتوبة فقال: (أن لا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير) فبين به أن النذر والبشرى كائنين ما كانا يرجعان إلى التوحيد و يتعلقان به ثم قال: (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا) الخ فإن الآثار القيمة والنتائج الحسنة المطلوبة إنما تترتب على الشئ بعد ما تم في نفسه وكمل بصفاته وفروعه ونتائجه، والتوحيد وإن كان هو الأصل الوحيد للدين على سعته لكن شجرته لا تثمر ما لم تقم على ساقها ويتفرع عليها فروعها وأغصانها، (كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها).
والظاهر أن المراد بالتوبة في الآية الايمان كما في قوله تعالى: (فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك) المؤمنون: 7 فيستقيم الجمع بين الاستغفار والتوبة مع عطف التوبة عليه بثم، والمعنى اتركوا عبادة الأصنام بعد هذا واطلبوا من ربكم غفران ما قدمتم من المعصية ثم آمنوا بربكم.
وقيل: إن المعنى اطلبوا المغفرة واجعلوها غرضكم ثم توصلوا إليه بالتوبة وهو غير جيد ومن التكلف ما ذكره بعضهم أن المعنى: استغفروا من ذنوبكم الماضية ثم توبوا إليه كلما أذنبتم في المستقبل وكذا قول آخر: إن (ثم) في الآية بمعنى الواو لان التوبة والاستغفار واحد.
وقوله: (يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى) الاجل المسمى هو الوقت الذي ينتهى إليه الحياة لا تتخطاه البتة، فالمراد هو التمتيع في الحياة الدنيا بل بالحياة الدنيا لان الله سبحانه سماها في مواضع من كلامه متاعا، فالمتاع الحسن إلى أجل مسمى ليس إلا الحياة الدنيا الحسنة.
فيؤول معنى قوله: (يمتعكم متاعا حسنا) على تقدير كون (متاعا) مفعولا مطلقا إلى نحو من قولنا: يمتعكم تمتيعا حسنا بالحياة الحسنة الدنيوية، ومتاع الحياة إنما يكون حسنا إذا ساق الانسان إلى سعادته الممكنة له، وهداه إلى أماني الانسانية من التنعم بنعم الدنيا في سعة وأمن ورفاهية وعزة وشرافة فهذه الحياة الحسنة تقابل