راقية فلم تزل البشرية منذ سكنت الأرض وكونت أنواع المجتمعات الهمجية أو الراقية وما هي أرقي تنقسم إلى طائفتين مستعلية مستكبرة قاهرة، ومستذلة مستعبدة مقهورة، وليس يعدل هذا الافراط والتفريط ولا يسوى هذا الاختلاف إلا دين التوحيد.
فدين التوحيد هو السنة الوحيدة التي تقصر المولوية والسيادة في الله سبحانه وتسوى بين القوى والضعيف والمتقدم والمتأخر والكبير والصغير والأبيض والأسود والرجل والمرأة وتنادى بمثل قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) الحجرات: 13، وقوله: (أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) آل عمران: 195.
ثم إن وقوع قوله: (ويؤت كل ذي فضل فضله) الحاكي عن الاعتناء بفضل كل ذي فضل بعد قوله: (يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى) الدال على تمتيع الجميع مشعر:
اولا: بأن المراد بالجملة الأولى المتاع العام المشترك بين أفراد المجتمع وبعبارة أخرى حياة المجتمع العامة الحسنة، وبالجملة الثانية المزايا التي يؤتاها بعض الافراد قبال ما يختصون به من الفضل.
وثانيا: أن الجملة الأولى تشير إلى التمتيع بمتاع الحياة الدنيا والثانية إلى إيتاء ثواب الآخرة قبال الأعمال الصالحة القائمة بالفرد أو إيتاء كل ذي فضل فضله في الدنيا والآخرة معا بتخصيص كل من جاء بزيادة في جهة دنيوية بما تقتضيه زيادته من المزية في جهات الحياة بإقامة كل ذي فضيلة في صفة أو عمل مقامه الذي تقتضيه صفته أو عمله و وضعه موضعه من غير أن يسوى بين الفاضل والمفضول في دينهما أو تزاح الخصوصيات وتبطل الدرجات والمنازل بين الأعمال والمساعي الاجتماعية فلا يتفاوت حال الناشط في عمله والكسلان، ولا يختلف أمر المجتهد في العمل الدقيق المهم في بابه واللاعب بالعمل الحقير الهين وهكذا.
وقوله: (فإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير) أي فإن تتولوا