فيها الاحكام والتفصيل معا على الآيات، وليس ذلك إلا من جهة معانيها فتفيد أن الاحكام والتفصيل هما في معاني هذه الآيات المتكثرة فلها جهة وحدة وبساطة وجهة كثرة وتركب، وينطبق على ما قدمناه من المعنى لا على ما ذكره الراجع إلى مسألة التأويل والتنزيل فافهم ذلك.
وكقول بعضهم: إن المراد بالأحكام والتفصيل إجمال بعض الآيات وتبيين البعض الاخر، وقد مثل لذلك بقوله تعالى في هذه السورة: (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع) الآية: 24، فإنه مجمل محكم يتبين بما ورد فيها من قصة نوح وهود وصالح. وهكذا.
وفيه: أن ظاهر الآية أن الاحكام والتفصيل متحدان من حيث المورد بمعنى ان الآيات التي ورد عليها الاحكام بعينها هي التي ورد عليها التفصيل لا أن الاحكام وصف لبعض آياته والتفصيل وصف بعضها الاخر كما هو لازم ما ذكره.
وقوله تعالى: (من لدن حكيم خبير) الحكيم من أسمائه الحسنى الفعلية يدل على اتقان الصنع، وكذا الخبير من أسمائه الحسنى يدل على علمه بجزئيات أحوال الأمور الكائنة ومصالحها، وإسناد إحكام الآيات وتفصيلها إلى كونه تعالى حكيما خبيرا لما بينهما من النسبة.
قوله تعالى: (أن لا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) الآية، وما بعدها تفسير لمضمون الآية الأولى: (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) وإذ كانت الآية تتضمن أنه كتاب من الله إلى... له آيات محكمة ثم مفصلة كانت العناية في تفسيرها متوجهة إلى إيضاح هذه الجهات.
ومن المعلوم ان هذا الكتاب الذي أنزله الله تعالى من عنده إلى رسوله ليتلوه على الناس ويبلغهم له وجه خطاب إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ووجه خطاب إلى الناس بوساطته اما وجه خطابه إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي يتلقاه الرسول من وحى الله فهو ان انذر وبشر وادع الناس إلى كذا وكذا، وهذا الوجه هو الذي عنى به في أول سورة يونس حيث قال تعالى: (أوحينا إلى رجل منهم ان انذر الناس وبشر