وفي التعبير نفسه أعني قوله: (ما لا ينفعك ولا يضرك) إعطاء الحجة على النهى عن الدعاء.
قوله تعالى: (إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو) الخ، الجملة حالية وهى تتمة البيان في الآية السابقة، والمعنى: ولا تدع من دون الله ما لا نفع لك عنده ولا ضرر، والحال أن ما مسك الله به من ضر لا يكشفه غيره وما أرادك به من خير لا يرده غيره فهو القاهر دون غيره يصيب بالخير عباده بمشيئته وإرادته، وهو مع ذلك غفور رحيم يغفر ذنوب عباده ويرحمهم، واتصافه بهذه الصفات الكريمة وكون غيره صفر الكف منها يقتضى تخصيص العبادة والدعوة به.
قوله تعالى: (قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم) وهو القرآن أو ما يشتمل عليه من الدعوة الحقة، وقوله: (فمن اهتدى) إلى آخر الآية، إعلام لهم بكونهم مختارين فيما ينتخبونه لأنفسهم من غير أن يسلبوا الخيرة ببيان حقيقة هي ان الحق - وقد جاءهم - من حكمه ان من اهتدى إليه فإنما يهتدى ونفعه عائد إليه، ومن ضل عنه فإنما يضل وضرره على نفسه فلهم ان يختاروا لأنفسهم ما يحبونه من نفع أو ضرر، وليس هو صلى الله عليه وآله وسلم وكيلا لهم يتصدى من الفعل ما هو لهم فالآية كناية عن وجوب اهتدائهم إلى الحق لان فيه نفعهم.
قوله تعالى: (واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين) أمر باتباع ما يوحى إليه والصبر على ما يصيبه في جنب هذا الاتباع من المصائب والمحن، ووعد بأن الله سبحانه سيحكم بينه وبين القوم، ولا يحكم إلا بما فيه قرة عينه فالآية تشتمل على أمره بالاستقامة في الدعوة وتسليته فيما يصيبه، ووعده بأن العاقبة الحسنى له.
وقد اختتمت الآية بحكمه تعالى، وهو الذي عليه يعتمد معظم آيات السورة في بيانها. والله أعلم