المعيشة الضنك التي يشير إليها في قوله: (ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا) طه: 124.
ولا حسن لمتاع الحياة الدنيا ولا سعة في المعيشة لمن أعرض عن ذكر الله ولم يؤمن بربه فإن البعض من الناس وإن أمكن أن يؤتى سعة من المال وعلوا في الأرض ثم يحسب أن لا أمنية من أماني الانسانية إلا وقد أوتيها لكنه في غفلة عن ابتهاج من تحقق بحقيقة الايمان بالله ودخل في ولاية الله فاتاه الله الحياة الطيبة الانسانية، وآمنه من ذلة الحياة الحيوانية التي لا حكومة فيها إلا للحرص والشره والافتراس والتكلب والجهالة، فالنفس الحرة الانسانية تذم من الحياة ما يستأثره النفوس الرذيلة الخسيسة وان استتبع الذلة والمسكنة وكل شناعة.
فالحياة الحسنة لمجتمع صالح حر أن يشتركوا في التمتع من مزايا النعم الأرضية التي خلقها الله لهم اشتراكا عن تراحم بينهم وتعاون وتعاضد من غير تعد وتزاحم بحيث يطلب كل خير نفسه ونفعها في خير مجتمعه ونفعه من غير أن يعبد نفسه ويستعبد الآخرين.
وبالجملة التمتع بالحياة الحسنة إلى أجل مسمى هو تمتع الفرد بالحياة على ما تستحسنه الفطرة الانسانية وهو الاعتدال في التمتعات المادية في ضوء العلم النافع والعمل الصالح هذا إذا نسب إلى الفرد، وأما إذا نسب إلى المجتمع فهو الانتفاع العام من نعم الحياة الأرضية الطيبة بتخصيص ما يناله الافراد بكدهم وسعيهم بالمجتمع الملتئم الاجزاء من غير تضاد بين أبعاضه أو تناقض.
وقوله: (ويؤت كل ذي فضل فضله) الفضل هو الزيادة وإذ نسب الفضل في قوله: (كل ذي فضل) إلى من عنده الفضل من الافراد كان ذلك قرينة على كون الضمير في (فضله) راجعا إلى ذي الفضل دون اسم الجلالة كما احتمله بعضهم والفضل والزيادة من المعاني النسبية التي إنما تتحقق بقياس شئ إلى شئ وإضافته إليه.
فالمعنى: ويعطى كل من زاد على غيره بشئ من صفاته وأعماله وما يقتضيه من الاختصاص بمزيد الاجر وخصوص موهبة السعادة تلك الزيادة من غير أن يبطل حقه أو يغصب فضله أو يملكه غيره كما يشاهد في المجتمعات غير الدينية وإن كانت مدنية