البتة فسورة يونس تبين أن السنة الإلهية جارية على القضاء بين الرسل وبين أممهم المكذبين لهم، ثم توعد هذه الأمة بما جرى مثله على الذين من قبلهم، وسورة هود تبين أن المعارف القرآنية ترجع بالتحليل إلى التوحيد الخالص كما أن التوحيد يعود بحسب التركيب إلى تفاصيل المعارف الأصلية والفرعية.
والسورة - على ما تشهد به آياتها بمضامينها والاتصال الظاهر بينها - مكية نازلة دفعة واحدة، وقد روى عن بعضهم استثناء قوله تعالى: (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك) الآية 12 فذكر أنها مدنية.
واستثنى بعضهم قوله: (أفمن كان على بينة من ربه) الآية 17، وبعضهم قوله تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل) الآية 114، ولا دليل على شئ من ذلك من طريق اللفظ، وظاهر اتصالها أنها جميعا مكية.
قوله تعالى: (الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) المقابلة بين الاحكام والتفصيل الذي هو ايجاد الفصل بين أجزاء الشئ المتصل بعضها ببعض، والتفرقة بين الأمور المندمجة كل منها في آخر تدل على أن المراد بالأحكام ربط بعض الشئ ببعضه الاخر وإرجاع طرف منه إلى طرف آخر بحيث يعود الجميع شيئا واحدا بسيطا غير ذي أجزاء وأبعاض.
ومن المعلوم أن الكتاب إذا اتصف بالأحكام والتفصيل بهذا المعنى الذي مر فإنما يتصف بهما من جهة ما يشتمل عليه من المعنى والمضمون لا من جهة ألفاظه أو غير ذلك، وأن حال المعاني في الاحكام والتفصيل والاتحاد والاختلاف غير حال الأعيان فالمعاني المتكثرة إذا رجعت إلى معنى واحد كان هذا الواحد هو الأصل المحفوظ في الجميع وهو بعينه على إجماله هذه التفاصيل، وهى بعينها على تفاصيلها ذاك الاجمال وهذا كله ظاهر لا ريب فيه.
وعلى هذا فكون آيات الكتاب محكمة اولا ثم مفصلة ثانيا معناه أن الآيات الكريمة القرآنية على اختلاف مضامينها وتشتت مقاصدها وأغراضها ترجع إلى معنى واحد بسيط، وغرض فارد أصلى لا تكثر فيه ولا تشتت بحيث لا تروم آية من الآيات الكريمة مقصدا من المقاصد ولا ترمى إلى هدف إلا والغرض الأصلي هو الروح