الساري في جثمانه والحقيقة المطلوبة منه.
فلا غرض لهذا الكتاب الكريم على تشتت آياته وتفرق أبعاضه إلا غرض واحد متوحد إذا فصل كان في مورد أصلا دينيا وفي آخر أمرا خلقيا وفي ثالث حكما شرعيا وهكذا كلما تنزل من الأصول إلى فروعها ومن الفروع إلى فروع الفروع لم يخرج من معناه الواحد المحفوظ، ولا يخطى غرضه فهذا الأصل الواحد بتركبه يصير كل واحد واحد من أجزاء تفاصيل العقائد والأخلاق والأعمال، وهى بتحليلها وإرجاعها إلى الروح الساري فيها الحاكم على أجسادها تعود إلى ذاك الأصل الواحد.
فتوحيده تعالى بما يليق بساحة عزه وكبريائه مثلا في مقام الاعتقاد هو إثبات أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وفي مقام الأخلاق هو التخلق بالأخلاق الكريمة من الرضا والتسليم والشجاعة والعفة والسخاء ونحو ذلك والاجتناب عن الصفات الرذيلة، وفي مقام الأعمال والافعال الاتيان بالاعمال الصالحة والورع عن محارم الله.
وإن شئت فقل: إن التوحيد الخالص يوجب في كل من مراتب العقائد والأخلاق والأعمال ما يبينه الكتاب الإلهي من ذلك كما أن كلا من هذه المراتب وكذلك أجزاؤها لا تتم من دون توحيد خالص.
فقد تبين أن الآية في مقام بيان رجوع تفاصيل المعارف والشرائع القرآنية إلى أصل واحد هو بحيث إذا ركب في كل مورد من موارد العقائد والأوصاف والأعمال مع خصوصية ذلك المورد أنتج حكما يخصه من الاحكام القرآنية، وبذلك يظهر:
أولا: أن قوله: (كتاب) خبر لمبتدء محذوف والتقدير: هذا كتاب، والمراد بالكتاب هو ما بأيدينا من القرآن المقسم إلى السور والآيات، ولا ينافي ذلك ما ربما يذكر أن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ أو القرآن بما هو في اللوح فإن هذا الكتاب المقرو متحد مع ما في اللوح اتحاد التنزيل مع التأويل.
وثانيا: أن لفظة (ثم) في قوله: (ثم فصلت) الخ، لإفادة التراخي بحسب ترتيب الكلام دون التراخي الزماني إذ لا معنى للتقدم والتأخر الزماني بين المعاني المختلفة بحسب الأصلية والفرعية أو بالاجمال والتفصيل.