والايمان بالله عن اختيار والاهتداء إليه أمر من الأمور يحتاج في تحققه إلى سبب يخصه، ولا يؤثر هذا السبب ولا يتصرف في الكون بإيجاد مسببه إلا عن إذن من الله سبحانه في ذلك لكن الله سبحانه بجعل الرجس والضلال على أهل العناد والجحود لم يأذن في إيمانهم، ولا رجاء في سعادتهم.
ولو أنه تعالى أذن في ذلك لاحد لاذن في إيمان غير أولئك المكذبين فقوله:
(وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) حكم عام حقيقي ينيط تملك النفوس للايمان إلى إذن الله، وقوله: (ويجعل الرجس) الخ، يسلب عن الذين لا يعقلون استعداد حصول الاذن فيبقى غيرهم.
وقد أريد في الآية بالرجس ما يقابل الايمان من الشك والريب بمعنى أنه هو المصداق المنطبق عليه الرجس في المقام لما قوبل بالايمان، وقد عرف في قوله تعالى:
(ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) الانعام: 125.
وقد أريد أيضا بقوله: (الذين لا يعقلون) أهل التكذيب بآيات الله من جهة أنهم ممن حقت عليه كلمة العذاب فإنهم الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يعقلون قال: (وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون) التوبة: 93.
قوله تعالى: (قل انظروا ما ذا في السماوات والأرض) أي من المخلوقات المختلفة المتشتة التي كل واحد منها آية من آيات الله تعالى تدعو إلى الايمان، وقوله:
(وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) ظاهره أن (ما) استفهامية والجملة مسوقة بداعي الانكار وإظهار الأسف كقول الطبيب: بماذا أعالج الموت؟ أي إنا أمرناك أن تنذرهم بقولنا: (قل انظروا ما ذا في السماوات) الخ، لكن أي تأثير للنذر فيهم أو للآيات فيهم وهم لا يؤمنون أي عازمون مجمعون على أن لا يؤمنوا بالطبع الذي على قلوبهم وربما قيل: إن ما نافية.
قوله تعالى: (فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم) تفريع على ما في الآية السابقة من قوله: (وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) أي إذا لم تغن الآيات والنذر عنهم شيئا وهم لا يؤمنون البتة فهم لا ينتظرون إلا مثل أيام