الايمان، وليس من الواجب الضروري ان يكون كل مؤمن مسلما بل من الأولى الأحرى أن يكمل إيمانه بالاسلام.
فالتفريق بين الشرطين للاشعار بكون أحدهما واجبا واقعا منهم، والاخر مما ينبغي لهم أن يتحققوا به فالمعنى: يا قوم إن كنتم آمنتم بالله - وقد آمنتم - وكنتم مسلمين له - وينبغي أن تكونوا كذلك - فتوكلوا على الله، ففي الكلام من لطيف الصنعة ما لا يخفى.
قوله تعالى: (فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) إلى آخر الآيتين، إنما توكلوا على الله لينجيهم من فرعون وملاه فدعاؤهم بما دعوا به من قولهم: (ربنا لا تجعلنا فتنة) الخ، سؤال منهم نتيجة توكلهم وهو ان ينزع الله منهم لباس الضعف والذلة، وينجيهم من القوم الكافرين.
أما الأول فقد أشاروا إليه بقولهم: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) وذلك أن الذي يغرى الأقوياء الظالمين على الضعفاء المظلومين هو ما يشاهدون فيهم من الضعف فيفتتنون به فيظلمونهم فالضعيف بما له من الضعف فتنة للقوى الظالم كما أن الأموال والأولاد بما عندها من جاذبة الحب فتنة للانسان، قال تعالى: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) التغابن: 15. والدنيا فتنة لطالبها فسؤالهم ربهم أن لا يجعلهم فتنة للقوم الظالمين سؤال منهم أن يسلبهم الضعف والذلة بسلب الغرض منه وهو سلب الشئ بسلب سببه.
وأما الثاني أعني التنجية فهو الذي ذكره حكاية عنهم في الآية الثانية: (ونجنا برحمتك من القوم الكافرين).
قوله تعالى: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا) الخ، التبوي أخذ المسكن والمنزل، ومصر بلد فرعون، والقبلة في الأصل بناء نوع من المصدر كجلسة أي الحالة التي يحصل بها التقابل بين الشئ وغيره فهو مصدر بمعنى الفاعل أي اجعلوا بيوتكم متقابلة يقابل بعضها بعضا وفي جهة واحدة وكان الغرض أن يتمكنا منهم بالتبليغ ويتمكنوا من إقامة الصلاة جماعة كما يدل عليه أو يشعر به قوله بعده: (وأقيموا الصلاة) لوقوعه بعده.