الحق قالوا وأكدوا القول: إن هذا - يشيرون إلى الحق من الآية - لسحر مبين واضح كونه سحرا، وانما سمى الآية حقا قبال تسميتهم إياها سحرا.
قوله تعالى: (قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا) الخ، أي فلما سمع مقالتهم تلك ورميهم الحق بأنه سحر مبين قال لهم منكرا لقولهم في صورة الاستفهام: (أتقولون للحق لما جاءكم) إنه لسحر؟ ثم كرر الانكار مستفهما بقوله: (أسحر هذا)؟ فمقول القول في الجملة الاستفهامية محذوف إيجازا لدلالة الاستفهام الثاني عليه، وقوله: (ولا يفلح الساحرون) يمكن أن يكون جملة حالية معللة للانكار الذي يدل عليه قوله: (أسحر هذا)، ويمكن أن يكون إخبارا مستقلا بيانا للواقع يبرئ به نفسه من أن يقترف السحر لأنه يرى لنفسه الفلاح وللساحرين أنهم لا يفلحون.
قوله تعالى: (قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا) الخ، اللفت هو الصرف عن الشئ، والمعنى: قال فرعون وملاه لموسى معاتبين له: (أجئتنا لتلفتنا) وتصرفنا (عما وجدنا عليه آباءنا) يريدون سنة قدمائهم وطريقتهم ويكون لكما الكبرياء في الأرض يعنون الرئاسة والحكومة وانبساط القدرة ونفوذ الإرادة يؤمون بذلك انكما اتخذتما الدعوة الدينية وسيلة إلى إبطال طريقتنا المستقرة في الأرض، ووضع طريقة جديدة أنتما واضعان مبتكران لها موضعها تحوزان بإجرائها في الناس وإيماننا بكما وطاعتنا لكما الكبرياء والعظمة في المملكة.
وبعبارة أخرى إنما جئتما لتبدلا الدولة الفرعونية المتعرقة في القبط إلى دولة إسرائيلية تدار بإمامتكما وقيادتكما، وما نحن لكما بمؤمنين حتى تنالا بذلك أمنيتكما وتبلغا غايتكما من هذه الدعوة المزورة.
قوله تعالى: (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم) كان يأمر به ملاه فيعارض بسحر السحرة معجزة موسى كما فصل في سائر الآيات القاصة للقصة وتدل عليه الآيات التالية.
قوله تعالى: (فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا) الخ، أي لما جاءوا وواجهوا موسى وتهيؤوا لمعارضته قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقوه من الحبال