والعصى، وقد كانوا هيؤوها ليلقوها فيظهروها في صور الحيات والثعابين بسحرهم.
قوله تعالى: فلما ألقوا قال لهم موسى ما جئتم به السحر) ما قاله عليه السلام بيان لحقيقة من الحقائق لينطبق عليها ما سيظهره الله من الحق على يديه من صيرورة العصا ثعبانا يلقف ما ألقوه من الحبال والعصى وأظهروه في صور الحيات و الثعابين بسحرهم.
والحقيقة التي بينها لهم أن الذي جاءوا به سحر والسحر شأنه إظهار ما ليس بحق واقع في صورة الحق الواقع لحواس الناس وأنظارهم، وإذ كان باطلا في نفسه فان الله سيبطله لان السنة الإلهية جارية على إقرار الحق واحقاقه في التكوين وإزهاق الباطل وإبطاله فالدولة للحق وان كانت للباطل جولة أحيانا.
ولذا علل قوله: (إن الله سيبطله) بقوله: (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) فان الصلاح والفساد شأنان متقابلان، وقد جرت السنة الإلهية أن يصلح ما هو صالح ويفسد ما هو فاسد أي ان يرتب على كل منهما أثره المناسب له المختص به وأثر العمل الصالح ان يناسب ويلائم سائر الحقائق الكونية في نظامها الذي تجرى هي عليه، ويمتزج بها ويخالطها فيصلحه الله سبحانه ويجريه على ما كان من طباعه، وأثر العمل الفاسد ان لا يناسب ولا يلائم سائر الحقائق الكونية فيما تقتضيه بطباعها وتجرى عليه بجبلتها فهو أمر استثنائي في نفسه، ولو أصلحه الله في فساده كان ذلك إفسادا للنظام الكونى.
فيعارضه سائر الأسباب الكونية بما لها من القوى والوسائل المؤثرة، وتعيده إلى السيرة الصالحة إن أمكن وإلا أبطلته وأفنته ومحته عن صحيفة الوجود البتة.
وهذه الحقيقة تستلزم أن السحر وكل باطل غيره لا يدوم في الوجود وقد قررها الله سبحانه في كلامه في مواضع مختلفة كقوله: (والله لا يهدى القوم الظالمين) وقوله: (والله لا يهدى القوم الفاسقين) وقوله: (إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب) المؤمن: 28، ومنها قوله في هذه الآية: (إن الله لا يصلح عمل المفسدين).
وأكده بتقريره في جانب الاثبات بقوله في الآية التالية: (ويحق الله الحق