والذرية الذين آمنوا من قومه كانت أمهاتهم من بني إسرائيل وآباؤهم من القبط فتبعوا أمهاتهم في الايمان بموسى، وقيل: الذرية بعض أولاد القبط، وقيل: أريد بها امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون، وقد ذكرا في القرآن وجارية وامرأة هي مشاطة امرأة فرعون.
وذكر آخرون أن الضمير لموسى عليه السلام والمراد بالذرية جماعة من بني إسرائيل تعلموا السحر وكانوا من أصحاب فرعون، وقيل: هم جميع بني إسرائيل وكانوا ستمائة الف نسمة سماهم ذرية لضعفهم، وقيل: ذرية آل إسرائيل ممن بعث إليهم موسى وقد هلكوا بطول العهد، وهذه الوجوه - كما ترى - لا دليل على شئ منها في الآيات من جهة اللفظ.
والذي يفيده السياق وهو الظاهر من الآية أن يكون الضمير راجعا إلى موسى والمراد بالذرية من قوم موسى بعض الضعفاء من بني إسرائيل دون ملاهم الأقوياء والشرفاء، والاعتبار يساعد على ذلك فإنهم جميعا كانوا أسراء للقبط محكومين بحكمهم بأجمعهم، والعادة الجارية في أمثال هذه الموارد أن يتوسل الشرفاء و الأقوياء بأي وسيلة أمكنت إلى حفظ مكانتهم الاجتماعية وجاههم القومي، ويتقربوا إلى الجبار المسيطر عليهم بإرضائه بالمال والتظاهر بالخدمة ومراءاة النصح والتجنب عما لا يرتضيه فلم يكن في وسع الملا من بني إسرائيل أن يعلنوا موافقة موسى على بغيته، ويتظاهروا بالايمان به.
على أن قصص بني إسرائيل في القرآن أعدل شاهد على أن كثيرا من عتاة بني إسرائيل ومستكبريهم لم يؤمنوا بموسى إلى أواخر عهده وإن كانوا يتسلمون له ويطيعونه في عامة أوامره التي كان يصدرها لبذل المساعى في سبيل نجاد بني إسرائيل لما كان فيها صلاح قوميتهم وحرية شعبهم ومنافع اشخاصهم، فالإطاعة في هذه الأمور أمر والايمان بالله وما جاء به الرسول أمر آخر.
ويستقيم على هذا معنى قوله: (وملأهم) بأن يكون الضمير إلى الذرية ويفيد الكلام أن الذرية الضعفاء كانوا في ايمانهم يخافون الملا والاشراف من بني إسرائيل فإنهم ربما كانوا يمنعونهم لعدم إيمانهم أنفسهم أو تظاهروا بذلك ليرضوا به فرعون وقومه