وأما قوله: (وبشر المؤمنين) فالسياق يدل على أن المراد به البشارة بإجابة ما سألوه في دعائهم المذكور آنفا: (ربنا لا تجعلنا فتنة) إلى آخر الآيتين.
والمعنى: وأوحينا إلى موسى وأخيه أن اتخذا لقومكما مساكن من البيوت في مصر - وكأنهم لم يكونوا إلى ذاك الحين إلا كهيئة البدويين يعيشون في الفساطيط أو عيشة تشبهها - واجعلا أنتما وقومكما بيوتكم متقابلة وفي جهة واحدة يتصل بذلك بعضكم ببعض ويتمشى أمر التبليغ والمشاورة والاجتماع في الصلوات، وأقيموا الصلاة وبشر يا موسى أنت المؤمنين بأن الله سينجيهم من فرعون وقومه.
قوله تعالى: (وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملاه زينة وأموالا) الخ، الزينة بناء نوع من الزين وهى الهيئة التي تجذب النفس إلى الشئ، والنسبة بين الزينة والمال العموم من وجه فبعض الزينة ليس بمال يبذل بإزائه الثمن كحسن الوجه واعتدال القامة، وبعض المال ليس بزينة كالانعام والأراضي، وبعض المال زينة كالحلي والتقابل الواقع بين الزينة والمال يعطى أن يكون المراد بالزينة جهة الزينة من غير نظر إلى المالية كالحلي والرياش والاثاث والأبنية الفاخرة وغيرها.
وقوله: (ربنا ليضلوا عن سبيلك) قيل اللام للعاقبة، والمعنى وعاقبة أمرهم أنهم يضلون عن سبيلك، ولا يجوز أن يكون لام الغرض لأنا قد علمنا بالأدلة الواضحة أن الله سبحانه لا يبعث الرسول ليأمر الخلق بالضلال ولا يريد أيضا منهم الضلال، وكذلك لا يؤتيهم المال ليضلوا. انتهى.
وهو حق لكن في الاضلال الابتدائي المستحيل عليه تعالى، وأما الاضلال بعنوان المجازاة ومقابلة السوء بالسوء فلا دليل على امتناعه على الله سبحانه بل يثبته كلامه في موارد كثيرة، وقد كان فرعون وملؤه مصرين على الاستكبار والافساد ملحين على الاجرام فلا مانع من أن يؤتيهم الله بذلك زينة وأموالا ليضلوا عن سبيله جزاء بما كسبوا.
وربما قيل: إن اللام في (ليضلوا) للدعاء، وربما قيل: إن الكلام بتقدير لا أي لئلا يضلوا عن سبيلك، والسياق لا يساعد على شئ من الوجهين.