بكلماته ولو كره المجرمون) كما سيأتي توضيحه.
قوله تعالى: (ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون) لما كشف الله عن الحقيقة المتقدمة في جانب النفي بقوله: (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) أبان عنه في جانب الاثبات أيضا في هذه الآية بقوله: (ويحق الله الحق بكلماته) وقد جمع تعالى بين معنيى النفي والاثبات في قوله: (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) الأنفال: 8.
ومن هنا يقوى احتمال أن يكون المراد بالكلمات في الآية أقسام الأقضية الإلهية في شؤون الأشياء الكونية الجارية على الحق فإن قضاء الله ماض وسنته جارية أن يضرب الحق والباطل في نظام الكون ثم لا يلبث الباطل دون أن يفنى ويعفى أثره ويبقى الحق على جلائه، وذلك قوله تعالى: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) الرعد: 17، وسيجئ استيفاء البحث فيه في ذيل الآية إن شاء الله تعالى.
والحاصل أن موسى عليه السلام إنما ذكر هذه الحقيقة لهم ليوقفهم على سنة إلهية حقة غفلوا عنها، وليهيئ نفوسهم لما سيظهره عملا من غلبة الآية المعجزة على السحر وظهور الحق على الباطل، ولذا بادروا إلى الايمان حين شاهدوا المعجزة، وألقوا أنفسهم على الأرض ساجدين على ما فصله الله سبحانه في مواضع أخرى من كلامه.
وقوله: (ولو كره المجرمون) ذكر الاجرام من بين أوصافهم لان فيه معنى القطع فكأنهم قطعوا سبيل الحق على أنفسهم وبنوا على ذلك بنيانهم فهم على كراهية من ظهور الحق، ولذلك نسب الله كراهة ظهور الحق إليهم بما هم مجرمون في قوله:
(ولو كره المجرمون) وفي معناه قوله في أول الآيات: (فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين).
قوله تعالى: (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملأهم) إلى آخر الآيتين ذكر بعض المفسرين أن الضمير في (قومه) راجع إلى فرعون،