فإن قيل: إن هذه الموارد لا تخلو عن أناس كانوا يرون رأيهم أو يرضون بفعالهم فعبر الله تعالى عنهم وعمن يلحق بهم بصيغة الجمع. قيل: إن محصله جواز ذلك في اللغة لنكتة مجوزة فليجر الآية أعني قوله: " والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " هذا المجرى، ولتكن النكتة هي الإشارة إلى أن أنواع الكرامات الدينية - ومنها الولاية المذكورة في الآية - ليست موقوفة على بعض المؤمنين دون بعض وقفا جزافيا، وإنما يتبع التقدم في الاخلاص والعمل لا غير.
على أن جل الناقلين لهذه الأخبار هم صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتابعون المتصلون بهم زمانا وهم من زمرة العرب العرباء الذين لم تفسد لغتهم ولم تختلط ألسنتهم، ولو كان هذا النحو من الاستعمال لا تبيحه اللغة ولا يعهده أهلها لم تقبله طباعهم، ولكانوا أحق باستشكاله و الاعتراض عليه، ولم يؤثر من أحد منهم ذلك.
وأما قولهم: إن الصدقة بالخاتم لا تسمى زكاة، فيدفعه أن تعين لفظ الزكاة في معناها المصطلح إنما تحقق في عرف المتشرعة بعد نزول القرآن بوجوبها وتشريعها في الدين، وأما الذي تعطيه اللغة فهو أعم من الزكاة المصطلحة في عرف المتشرعة ويساوق عند الاطلاق أو عند مقابلة الصلاة إنفاق المال لوجه الله كما يظهر مما وقع فيما حكاه الله عن الأنبياء السالفين كقوله تعالى في إبراهيم وإسحاق ويعقوب: " وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة " (الأنبياء: 73)، وقوله تعالى في إسماعيل: " وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا " (مريم: 55) وقوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام في المهد: " وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا " (مريم: 31) ومن المعلوم أن ليس في شرائعهم الزكاة المالية بالمعنى الذي اصطلح عليه في الاسلام.
وكذا قوله تعالى: " قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى " " الاعلى: 15) وقوله تعالى: " الذي يؤتى ماله يتزكى " (الليل: 18) وقوله تعالى: " الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون " (حم السجدة: 7) وقوله تعالى: " والذين هم للزكاة فاعلون " (المؤمنون: 4) وغير ذلك من الآيات الواقعة في السور المكية وخاصة السور النازلة في أوائل البعثة كسورة حم السجدة وغيرها، ولم تكن شرعت الزكاة المصطلحة بعد، فليت شعري ما ذا كان يفهمه المسلمون من هذه الآيات في