ويجمع الجميع أن له صلى الله عليه وآله وسلم الولاية على الأمة في سوقهم إلى الله والحكم فيهم والقضاء عليهم في جميع شؤونهم فله عليهم الإطاعة المطلقة فترجع ولايته صلى الله عليه وآله وسلم إلى ولاية الله سبحانه بالولاية التشريعية، ونعني بذلك أن له صلى الله عليه وآله وسلم التقدم عليهم بافتراض الطاعة لان طاعته طاعة الله، فولايته ولاية الله كما يدل عليه بعض الآيات السابقة كقوله:
" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " (الآية) وقوله: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا " (الآية)، وغير ذلك.
وهذا المعنى من الولاية لله ورسوله هو الذي تذكره الآية للذين آمنوا بعطفه على الله ورسوله في قوله: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " على ما عرفت من دلالة السياق على كون هذه الولاية ولاية واحدة هي لله سبحانه بالأصالة ولرسوله والذين آمنوا بالتبع وبإذن منه تعالى.
ولو كانت الولاية المنسوبة إلى الله تعالى في الآية غير المنسوبة إلى الذين آمنوا - والمقام مقام الالتباس - كان الأنسب أن تفرد ولاية أخرى للمؤمنين بالذكر رفعا للالتباس كما وقع نظيره في نظير ها، قال تعالى: " قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين " (التوبة: 61)، فكرر لفظ الايمان لما كان في كل من الموضعين لمعنى غير الاخر، وقد تقدم نظيره في قوله تعالى: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " (النساء: 59)، في الجزء السابق على هذا الجزء من الكتاب.
على أن لفظ " وليكم " أتى به مفردا وقد نسب إلى الذين آمنوا وهو جمع، وقد وجهه المفسرون بكون الولاية ذات معنى واحد هو لله سبحانه على الأصالة ولغيره بالتبع.
وقد تبين من جميع ما مر أن القصر في قوله: " إنما وليكم الله " (الخ)، لقصر الافراد كأن المخاطبين يظنون أن الولاية عامة للمذكورين في الآية وغيرهم فأفرد المذكورون للقصر، ويمكن بوجه أن يحمل على قصر القلب.
قوله تعالى: " الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " بيان للذين آمنوا المذكور سابقا " وقوله: " وهم راكعون " حال من فاعل " يؤتون " وهو العامل فيه.
والركوع هو الهيئة المخصوصة في الانسان، ومنه الشيخ الراكع، ويطلق في عرف الشرع على الهيئة المخصوصة في العبادة، قال تعالى: " الراكعون الساجدون "