الخضوع لله سبحانه أو انحطاط الحال لفقر ونحوه، ويعود معنى الآية إلى أنه ليس أولياؤكم اليهود والنصارى والمنافقين بل أولياؤكم الله ورسوله والمؤمنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وهم في جميع هذه الأحوال خاضعون لساحة الربوبية بالسمع والطاعة، أو أنهم يؤتون الزكاة وهم فقراء معسرون هذا.
لكن التدبر واستيفاء النظر في الآيتين وما يحفهما من آيات ثم في أمر السورة يعطى خلاف ما ذكروه، وأول ما يفسد من كلامهم ما ذكروه من أمر وحدة سياق الآيات، وان غرض الآيات التعرض لأمر ولاية النصرة، وتمييز الحق منها من غير الحق فإن السورة وإن كان من المسلم نزولها في آخر عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع لكن من المسلم أيضا أن جميع آياتها لم تنزل دفعة واحدة ففي خلالها آيات لا شبهة في نزولها قبل ذلك، ومضامينها تشهد بذلك، وما ورد فيها من أسباب النزول يؤيده فليس مجرد وقوع الآية بعد الآية أو قبل الآية يدل على وحدة السياق، ولا أن بعض المناسبة بين آية وآية يدل على نزولهما معا دفعة واحدة أو اتحادهما في السياق.
على أن الآيات السابقة أعني قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض " (الخ)، تنهى المؤمنين عن ولاية اليهود والنصارى، وتعير المنافقين والذين في قلوبهم مرض بالمسارعة إليهم ورعاية جانبهم من غير أن يرتبط الكلام بمخاطبة اليهود والنصارى وإسماعهم الحديث بوجه بخلاف الآيات التالية أعني قوله:
" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء " (الخ)، فإنها تنهى عن ولايتهم وتتعرض لحالهم بالامر بمخاطبتهم ثم يعيرهم بالنفاق والفسق فالغرض في القبيلين من الآيات السابقة واللاحقة مختلف، ومعه كيف يتحد السياق؟!.
على أنك قد عرفت في البحث عن الآيات السابقة أعني قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " (الآيات) أن ولاية النصرة لا تلائم سياقها، وأن خصوصيات الآيات والعقود المأخوذة فيها وخاصة قوله: " بعضهم أولياء بعض " وقوله:
" ومن يتولهم منكم فإنه منهم " لا تناسبها فإن عقد ولاية النصرة واشتراطها بين قومين لا يوجب صيرورة أحدهما الاخر ولحوقه به، ولا أنه يصح تعليل النهى عن هذا العقد بأن القوم الفلاني بعضهم أولياء بعض بخلاف عقد ولاية المودة التي توجب الامتزاج النفسي