فقد كان المنافقون يسارعون إلى ولاية أهل الكتاب ويؤكدونها، فنهى الله عن ذلك وذكر أن أولياءهم إنما هم الله ورسوله والمؤمنون حقا دون أهل الكتاب والمنافقين.
ولا يبقى إلا مخالفة هذا المعنى لظاهر قوله: " وهم راكعون " ويندفع بحمل الركوع على معناه المجازى، وهو الخضوع لله أو الفقر ورثاثة الحال، هذا ما استشكلوه.
لكن التدبر في الآية وما يناظرها من الآيات يوجب سقوط الوجوه المذكورة جميعا:
أما وقوع الآية في سياق ولاية النصرة، ولزوم حملها على إرادة ذلك فقد عرفت أن الآيات غير مسوقة لهذا الغرض أصلا، ولو فرض سرد الآيات السابقة على هذه الآية لبيان أمر ولاية النصرة لم تشاركها الآية في هذا الغرض.
وأما حديث لزوم إطلاق الجمع وإرادة الواحد في قوله: " والذين آمنوا " (الخ)، فقد عرفت في الكلام على آية المباهلة في الجزء الثالث من هذا الكتاب تفصيل الجواب عنه، وأنه فرق بين إطلاق لفظ الجمع وإرادة الواحد واستعماله فيه، وبين إعطاء حكم كلى أو الاخبار بمعرف جمعي في لفظ الجمع لينطبق على من يصح أن ينطبق عليه، ثم لا يكون المصداق الذي يصح أن ينطبق عليه إلا واحدا فردا واللغة تأبى عن قبول الأول دون الثاني على شيوعه في الاستعمالات.
وليت شعري ما ذا يقولون في مثل قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة - إلى أن قال: - تسرون إليهم بالمودة " (الآية) " الممتحنة: 1) وقد صح أن المراد به حاطب بن أبي بلتعة في مكاتبته قريشا؟
وقوله تعالى: " يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " (المنافقون:
8 "، وقد صح أن القائل به عبد الله بن أبي بن سلول؟ وقوله تعالى: " يسألونك ما ذا ينفقون " (البقرة: 215) والسائل عنه واحد؟ وقوله تعالى: " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية " (البقرة: 274) وقد ورد أن المنفق كان عليا أو أبا بكر؟ إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة.
وأعجب من الجميع قوله تعالى: " يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة " والقائل هو عبد الله بن أبي، على ما رووا في سبب نزوله وتلقوه بالقبول، والآية واقعة بين الآيات المبحوث عنها نفسها.