والظاهر أيضا أن يكون المراد بالكفر الكفر بآية من آيات الله وهو الحكم المراد بقوله: " ما أنزل إليك من ربك " كما في قوله في آية الحج: " ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين " (آل عمران: 97)، وأما الكفر بمعنى الاستكبار عن أصل الشهادتين فإنه مما لا يناسب مورد الآية البتة إلا على القول بكون المراد بقوله: " ما أنزل إليك من ربك مجموع رسالات الدين، وقد عرفت عدم استقامته.
والمراد بعدم هدايته تعالى هؤلاء القوم الكافرين عدم هدايته إياهم في كيدهم ومكرهم، ومنعه الأسباب الجارية أن تنقاد لهم في سلوكهم إلى ما يرومونه من الشر والفساد نظير قوله تعالى: " إن الله لا يهدى القوم الفاسقين " (المنافقون: 6)، وقوله تعالى: " والله لا يهدى القوم الظالمين " (البقرة: 258)، وقد تقدم البحث عنه في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
وأما كون المراد بعدم الهداية هو عدم الهداية إلى الايمان فغير صحيح البتة لمنافاته أصل التبليغ والدعوة فلا يستقيم أن يقال: ادعهم إلى الله أو الحكم الله وأنا لا أهديهم إليه إلا في مورد إتمام الحجة محضا.
على أن الله سبحانه قد هدى ولا يزال يهدى كثيرين من الكفار بدليل العيان، وقد قال أيضا: " والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم " (البقرة: 213).
فتبين أن المراد بعدم هداية الكافرين عدم تخليتهم لينالوا ما يهمون به من إبطال كلمة الحق وإطفاء نور الحكم المنزل فإن الكافرين وكذا الظالمين والفاسقين يريدون بشامة أنفسهم وضلال رأيهم أن يبدلوا سنة الله الجارية في الخلقة وسياقة الأسباب السالكة إلى مسبباتها ويغيروا مجارى الأسباب الحقة الظاهرة عن سمة عصيان رب العالمين إلى غايتهم الفاسدة مقاصدهم الباطلة والله رب العالمين لن يعجزه قواهم الصورية التي لم يودعها فيهم ولم يقدرها في بناهم إلا هو.
فهم ربما تقدموا في مساعيهم أحيانا، ونالوا ما راموه أوينات واستعلوا واستقام أمرهم برهة لكنه لا يلبث دون أن يبطل أخيرا وينقلب عليهم مكرهم ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وكذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الباطل فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
وعلى هذا فقوله: " إن الله لا يهدى القوم الكافرين تفسير قوله: " والله يعصمك