قوله تعالى وإن منكم لمن ليبطئن قيل إن اللام الأولى لام الابتداء لدخولها على اسم إن واللام الثانية لام القسم لدخولها على الخبر وهي جملة فعلية مؤكدة بنون التأكيد الثقيلة والتبطئة والابطاء بمعنى وهو التأخير في العمل.
وقوله وإن منكم يدل على أن هؤلاء من المؤمنين المخاطبين في صدر الآية بقوله يا أيها الذين آمنوا على ما هو ظاهر كلمة منكم كما يدل عليه ما سيأتي من قوله ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم فإن الظاهر أن هؤلاء أيضا كانوا من المؤمنين مع قوله تعالى بعد ذلك فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس وقوله وإن تصبهم حسنة إلخ وكذا قوله فليقاتل في سبيل الله الذين وقوله وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وقوله الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله كل ذلك تحريص واستنهاض للمؤمنين وفيهم هؤلاء المبطؤون على ما يلوح إليه اتصال الآيات.
على أنه ليس في الآيات ما يدل بظاهره على أن هؤلاء المبطئين من المنافقين الذين لم يؤمنوا إلا بظاهر من القول مع أن في بعض ما حكى الله عنهم دلالة ما على إيمانهم في الجملة كقوله تعالى فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي وقوله تعالى ربنا لم كتبت علينا القتال (إلخ).
نعم ذكر المفسرون أن المراد بقوله وإن منكم لمن المنافقون وأن معنى كونهم منهم دخولهم في عددهم أو اشتراكهم في النسب فهم منهم نسبا أو اشتراكهم مع المؤمنين في ظاهر حكم الشريعة بحقن الدماء والارث ونحو ذلك لتظاهرهم بالشهادتين وقد عرفت أن ذلك تصرف في ظاهر القرآن من غير وجه.
وإنما دعاهم إلى هذا التفسير حسن الظن بالمسلمين في صدر الاسلام كل من لقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآمن به والبحث التحليلي فيما ضبطه التاريخ من سيرتهم وحياتهم مع النبي وبعد يضعف هذا الظن والخطابات القرآنية الحادة في خصوصهم توهن هذا التقدير.
ولم تسمح الدنيا حتى اليوم بأمة أو عصابة طاهرة تألفت من أفراد طاهرة من غير استثناء مؤمنة واقفة على قدم صدق من غير عثرة قط (إلا ما نقل في حديث الطف) بل مؤمنوا صدر الاسلام كسائر الجماعات البشرية فيهم المنافق والمريض قلبه والمتبع هواه والطاهر سره.
والذي يمتاز به الصدر الأول من المسلمين هو أن مجتمعهم كان مجتمعا فاضلا يقدمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويغشاهم نور الايمان ويحكم فيهم سيطرة الدين هذا حال مجتمعهم