أو يقال إن هذه العصمة لا تنتهي إلى عامل خارق للعادة بل الاسلام بنى تربيته العامة على أصول دقيقة تنتج هذه النتيجة إن أهل الحل والعقد من الأمة لا يغلطون فيما اجتمعوا عليه ولا يعرضهم الخطأ فيما رأوه.
وهذا الاحتمال مع كونه باطلا من جهة منافاته الناموس العام وهو أن إدراك الكل هو مجموع إدراكات الابعاض وإذا جاز الخطأ على كل واحد واحد جاز على الكل يرد عليه أن رأي اولي الامر بهذا المعنى لو اعتمد في صحته وعصمته على مثل هذا العامل غير المغلوب لم يتخلف عن أثره فإلى أين تنتهي هذه الأباطيل والفسادات التي ملأت العالم الاسلامي؟
وكم من منتدى إسلامي بعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجتمع فيه أهل الحل والعقد من المسلمين على ما اجتمعوا عليه ثم سلكوا طريقا يهديهم إليه رأيهم فلم يزيدوا إلا ضلالا ولم يزد إسعادهم المسمين إلا شقاء ولم يمكث الاجتماع الديني بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون أن عاد إلى إمبراطورية ظالمة حاطمة! فليبحث الباحث الناقد في الفتن الناشئة منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما استتبعته من دماء مسفوكة وأعراض مهتوكة وأموال منهوبة وأحكام عطلت وحدود أبطلت! ثم ليبحث في منشئها ومحتدها وأصولها وأعراقها هل تنتهي الأسباب العاملة فيها إلا إلى ما رأته أهل الحل والعقد من الأمة ثم حملوا ما رأوه على أكتاف الناس؟
فهذا حال هذا الركن الركين الذي يعتمد عليه بناية الدين أعني رأي أهل الحل والعقد لو كان هو المراد بأولي الامر المعصومين في رأيهم.
فلا مناص على القول بأن المراد بأولي الامر أهل الحل والعقد من أن نقول بجواز خطأهم وأنهم على حد سائر الناس يصيبون ويخطؤون غير أنهم لما كانوا عصابة فاضلة خبيرة بالأمور مدربين مجربين يقل خطؤهم جدا وأن الامر بوجوب طاعتهم مع كونهم ربما يغلطون ويخطؤون من باب المسامحة في موارد الخطأ نظرا إلى المصلحة الغالبة في مداخلتهم فلو حكموا بما يغاير حكم الكتاب والسنة ويطابق ما شخصوه من مصلحة الأمة بتفسير حكم من أحكام الدين بغير ما كان يفسر سابقا أو تغيير حكم بما يوافق صلاح الوقت أو طبع الأمة أو وضع حاضر الدنيا كان هو المتبع وهو الذي يرتضيه الدين لأنه لا يريد إلا سعادة المجتمع ورقيه في اجتماعه كما هو الظاهر المتراءى من سير الحكومات الاسلامية في صدر الاسلام ومن دونهم فلم يمنع حكم من الاحكام الدائرة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم