ولم يقض على سيرة من سيره وسننه إلا علل ذلك بأن الحكم السابق يزاحم حقا من حقوق الأمة وأن صلاح حال الأمة في إنفاذ حكم جديد يصلح شأنهم أو سن سنة حديثة توافق آمالهم في سعادة الحياة وقد صرح بعض الباحثين (1) أن الخليفة له أن يعمل بما يخالف صريح الدين حفظا لصلاح الأمة.
وعلى هذا فيكون حال الملة الاسلامية حال سائر المجتمعات الفاضلة المدنية في أن فيها جمعية منتخبة تحكم على قوانين المجتمع على حسب ما تراه وتشاهده من مقتضيات الأحوال وموجبات الأوضاع.
وهذا الوجه أو القول كما ترى قول من يرى أن الدين سنة اجتماعية سبكت في قالب الدين وظهرت في صورته فهو محكوم بما يحكم على متون الاجتماعات البشرية وهياكلها بالتطور في أطوار الكمال التدريجي ومثال عال لا ينطبق إلا على حياة الانسان الذي كان يعيش في عصر النبوة وما يقاربه.
فهى حلقة متقضية من حلق هذه السلسلة المسماة بالمجتمع الانساني لا ينبغي أن يبحث عنها اليوم إلا كما يبحث علماء طبقات الأرض الجيولوجيا عن السلع المستخرجة من تحت أطباق الأرض.
والذي يذهب إلى مثل هذا القول لا كلام لنا معه في هذه الآية أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الامر منكم الآية فإن القول يبتنى على أصل مؤثر في جميع الأصول والسنن المأثورة من الدين من معارف أصلية ونواميس أخلاقية وأحكام فرعية ولو حمل على هذا ما وقع من الصحابة في زمن النبي وفي مرض موته ثم الاختلافات التي صدرت منهم وما وقع من تصرف الخلفاء في بعض الأحكام وبعض سير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم في زمن معاوية ومن تلاه من الأمويين ثم العباسيين ثم الذين يلونهم والجميع أمور متشابهة أنتج نتيجة باهتة.
ومن أعجب الكلام المتعلق بهذه الآية ما ذكره بعض المؤلفين أن قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الامر منكم لا يدل على شئ مما ذكره المفسرون على اختلاف أقوالهم.