منكم وهو نظير قوله تعالى هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم: الجمعة - 2 وقوله في دعوة إبراهيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم: البقرة - 129 وقوله رسلا منكم يقصون عليكم آياتي: الأعراف - 35 وبهذا يندفع ما ذكره بعضهم أن تقييد اولي الامر بقوله منكم يدل على أن الواحد منهم إنسان عادي مثلنا وهم منا ونحن مؤمنون من غير مزية عصمة إلهية.
ثم إن اولي الامر لما كان اسم جمع يدل على كثرة جمعية في هؤلاء المسمين بأولي الامر فهذا لا شك فيه لكن يحتمل في بادئ النظر أن يكونوا آحادا يلي الامر ويتلبس بافتراض الطاعة واحد منهم بعد الواحد فينسب افتراض الطاعة إلى جميعهم بحسب اللفظ والاخذ بجامع المعنى كقولنا صل فرائضك وأطع سادتك وكبراء قومك.
ومن عجيب الكلام ما ذكره الرازي أن هذا المعنى يوجب حمل الجمع على المفرد وهو خلاف الظاهر وقد غفل عن أن هذا استعمال شائع في اللغة والقرآن ملئ به كقوله تعالى فلا تطع المكذبين: القلم - 8 وقوله فلا تطع الكافرين: الفرقان - 52 وقوله إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا: الأحزاب - 67 وقوله ولا تطيعوا أمر المسرفين: الشعراء - 151 وقوله حافظوا على الصلوات: البقرة - 238 وقوله واخفض جناحك للمؤمنين: الحجر - 88 إلى غير ذلك من الموارد المختلفة بالاثبات والنفي والاخبار والانشاء.
والذي هو خلاف الظاهر من حمل الجمع على المفرد هو أن يطلق لفظ الجمع ويراد به واحد من آحاده لا أن يوقع حكم على الجمع بحيث ينحل إلى أحكام متعددة بتعدد الآحاد كقولنا أكرم علماء بلدك أي أكرم هذا العالم وأكرم ذاك العالم وهكذا.
ويحتمل أيضا أن يكون المراد بأولي الامر هؤلاء الذين هم متعلق افتراض الطاعة الجمع من حيث هو جمع أي الهيئة الحاصلة من عدة معدودة كل واحد منهم من اولي الامر وهو أن يكون صاحب نفوذ في الناس وذا تأثير في أمورهم كرؤساء الجنود والسرايا والعلماء وأولياء الدولة وسراة القوم بل كما ذكره في المنار هم أهل الحل والعقد الذين تثق بهم الأمة من العلماء والرؤساء في الجيش والمصالح العامة كالتجارة والصناعات والزراعة وكذا رؤساء العمال والأحزاب ومديرو الجرائد المحترمة ورؤساء تحريرها! فهذا معنى كون اولي الامر هم أهل الحل والعقد وهم الهيئة الاجتماعية