قوله ترثوا والتقدير ولا أن تعضلوهن وإما نهى معطوف على قوله لا يحل لكم لكونه في معنى النهى والعضل هو المنع والتضييق والتشديد والفاحشة الطريقة الشنيعة كثر استعمالها في الزنا والمبينة المتبينة وقد نقل عن سيبويه أن أبان واستبان وبين وتبين بمعنى واحد تتعدى ولا تتعدى يقال أبان الشئ واستبان وبين وتبين ويقال أبنت الشئ واستبنته وبينته وتبينته والآية تنهى عن التضييق عليهن بشئ من وجوه التضييق ليضطررن إلى بذل شئ من الصداق لفك عقدة النكاح والتخلص من ضيق العيشة فالتضييق بهذا القصد محرم على الزوج إلا أن يأتي الزوجة بفاحشة مبينة فله حينئذ أن يعضلها ويضيق عليها لتفارقه بالبذل والآية لا تنافى الآية الأخرى في باب البذل ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به: البقرة - 229 وإنما هو التخصيص تخصص هذه الآية آية البقرة بصورة إتيان الفاحشة وأما البذل الذي في آية البقرة فإنما هو واقع على تراض منهما فلا تخصص بها هذه الآية.
قوله تعالى وعاشروهن بالمعروف إلى آخر الآية المعروف هو الامر الذي يعرفه الناس في مجتمعهم من غير أن ينكروه ويجهلوه وحيث قيد به الامر بالمعاشرة كان المعنى الامر بمعاشرتهن المعاشرة المعروفة بين هؤلاء المأمورين.
والمعاشر التي يعرفها الرجال ويتعارفونه بينهم أن الواحد منهم جزء مقوم للمجتمع يساوى سائر الأجزاء في تكوينه المجتمع الانساني لغرض التعاون والتعاضد العمومي النوعي فيتوجه على كل منهم من التكليف أن يسعى بما في وسعه من السعي فيما يحتاج إليه المجتمع فيقتنى ما ينتفع به فيعطى ما يستغنى عنه ويأخذ ما يحتاج إليه فلو عومل مع واحد من أجزاء المجتمع غير هذه المعاملة وليس إلا أن يضطهد بإبطال استقلاله في الجزئية فيؤخذ تابعا ينتفع به ولا ينتفع هو بشئ يحاذيه وهذا هو الاستثناء.
وقد بين الله تعالى في كتابه أن الناس جميعا رجالا ونساءا فروع أصل واحد إنساني وأجزاء وأبعاض لطبيعة واحدة بشرية والمجتمع في تكونه محتاج