والسرقة، وتدعو إلى الاتحاد والمساعدة والمعاونة، وتنسد بذلك أغلب طرق الفساد والفناء الطارئة على المال، ويعين جميع ذلك على نماء المال ودره أضعافا مضاعفة.
كذلك الربا من خاصته انه يمحق المال ويفنيه تدريجا من حيث إنه ينشر القسوة والخسارة، ويورث البغض والعداوة وسوء الظن، ويفسد الامن والحفظ، ويهيج النفوس على الانتقام بأي وسيلة أمكنت من قول أو فعل مباشرة أو تسبيبا، وتدعو إلى التفرق والاختلاف، وتنفتح بذلك أغلب طرق الفساد وأبواب الزوال على المال، وقلما يسلم المال عن آفة تصيبه، أو بلية تعمه.
وكل ذلك لان هذين الامرين أعني الصدقة والربا مربوطان مماسان بحيوة طبقة الفقراء والمعوزين وقد هاجت بسبب الحاجة الضرورية إحساساتهم الباطنية، واستعدت للدفاع عن حقوق الحياة نفوسهم المنكوبة المستذلة، وهموا بالمقابلة بالغا ما بلغت، فان أحسن إليهم بالصنيعة والمعروف بلا عوض - والحال هذه - وقعت إحساساتهم على المقابلة بالاحسان وحسن النية وأثرت الأثر الجميل، وإن أسئ إليهم باعمال القسوة والخشونة وإذهاب المال والعرض والنفس قابلوها بالانتقام والنكاية بأي وسيلة، وقلما يسلم من تبعات هذه الهمم المهلكة أحد من المرابين على ما يذكره كل أحد مما شاهد من اخبار آكلي الربا من ذهاب أموالهم وخراب بيوتهم وخسران مساعيهم.
ويجب عليك: ان تعلم أولا: ان العلل والأسباب التي تبنى عليها الأمور والحوادث الاجتماعية أمور أغلبية الوجود والتأثير، فإنا إنما نريد بأفعالنا غاياتها ونتائجها التي يغلب تحققها، ونوجد عند إرادتها أسبابها التي لا تنفك عنها مسبباتها على الأغلب لا على الدوام، ونلحق الشاذ النادر بالمعدوم، وأما العلل التامة التي يستحيل انفكاك معلولاتها عنها في الوجود فهي مختصة بالتكوين يتناولها العلوم الحقيقية الباحثة عن الحقائق الخارجية.
والتدبر في آيات الاحكام التي ذكر فيها مصالح الافعال والأعمال ومفاسدها مما يؤدي إلى السعادة والشقاوة يعطي ان القرآن في بناء آثار الأعمال على الأعمال وبناء الأعمال على عللها يسلك هذا المسلك ويضع الغالب موضع الدائم كما عليه بناء العقلاء.
وثانيا: ان المجتمع كالفرد والامر الاجتماعي كالأمر الانفرادي متماثلان في الأحوال على ما يناسب كلا منهما بحسب الوجود، فكما ان للفرد حياة وعمرا وموتا