بمعاوضة ما عنده من المال الذي يستغنى عنه مما عند غيره من المال الذي يحتاج إليه، واما اعطاء المال واخذ ما يماثله بعينه مع زيادة فهذا شئ ينهدم به قضاء الفطرة واساس المعيشة، فإن ذلك ينجر من جانب المرابي إلى اختلاس المال من يد المدين وتجمعه وتراكمه عند المرابي، فإن هذا المال لا يزال ينمو ويزيد، ولا ينمو الا من مال الغير، فهو بالانتفاص والانفصال من جانب، والزيادة والانضمام إلى جانب آخر.
وينجر من جانب المدين المؤدي للربا إلى تزايد المصرف بمرور الزمان تزايدا لا يتداركه شئ مع تزايد الحاجة وكلما زاد المصرف أي نمى الربا بالتصاعد زادت الحاجة من غير أمر يجبر النقص ويتداركه، وفي ذلك انهدام حياة المدين.
فالربا يضاد التوازن والتعادل الاجتماعي ويفسد الانتظام الحاكم على هذا الصراط المستقيم الانساني الذي هدته إليه الفطرة الإلهية.
وهذا هو الخبط الذي يبتلي به المرابي كخبط الممسوس، فإن المراباة يضطره ان يختل عنده أصل المعاملة والمعاوضة فلا يفرق بين البيع والربا، فإذا دعي إلى أن يترك الربا ويأخذ بالبيع أجاب ان البيع مثل الربا لا يزيد على الربا بمزية، فلا موجب لترك الربا واخذ البيع، ولذلك استدل تعالى على خبط المرابين بما حكاه من قولهم:
انما البيع مثل الربا.
ومن هذا البيان يظهر: أولا: ان المراد بالقيام في قوله تعالى: لا يقوم الا كما يقوم، هو الاستواء على الحياة والقيام بأمر المعيشة فإنه معنى من معاني القيام يعرفه أهل اللسان في استعمالاتهم، قال تعالى: " ليقوم الناس بالقسط " الحديد - 25، وقال تعالى: " ان تقوم السماء والأرض بأمره " الروم - 25، وقال تعالى: " وان تقوموا لليتامى بالقسط " النساء - 127، واما كون المراد به المعنى المقابل للقعود فمما لا يناسب المورد، ولا يستقيم عليه معنى الآية.
وثانيا: ان المراد بخبط الممسوس في قيامه ليس هو الحركات التي يظهر من الممسوس حال الصرع أو عقيب هذا الحال على ما يظهر من كلام المفسرين، فان ذلك لا يلائم الغرض المسوق لبيانه الكلام، وهو ما يعتقده المرابي من عدم الفرق بين البيع والربا، وبناء عمله عليه، ومحصله أفعال اختيارية صادرة عن اعتقاد خابط، وكم من فرق بينهما وبين الحركات الصادرة عن المصروع حال الصرع، فالمصير إلى ما ذكرناه من كون المراد قيام الربوي في حياته بأمر المعاش كقيام الممسوس الخابط في أمر الحياة.