عليه: قوله تعالى: (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) الواقعة - 79، فإدراك المدركين فيه على السواء!.
وبعد اللتيا والتي: لم يأت هذا الباحث في توجيهه نزول القرآن في شهر رمضان بوجه محصل يقبله لفظ الآية، فإن حاصل توجيهه: أن معنى: أنزل فيه القرآن: كأنما أنزل فيه القرآن، ومعنى: إنا أنزلناه في ليلة: كأنا أنزلناه في ليلة، وهذا شئ لا يحتمله اللغة والعرف لهذا السياق!.
ولو جاز لقائل أن يقول: نزل القرآن ليلة القدر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنزول سورة الفاتحة المشتملة على جمل معارف القرآن جاز أن يقال: إن معنى نزول القرآن نزوله جملة واحدة، أي نزول إجمال معارفه على قلب رسول الله من غير مانع يمنع كما مر بيانه سابقا.
وفي كلامه جهات أخرى من الفساد تركنا البحث عنها لخروجه عن غرضنا في المقام.
قوله تعالى: هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، الناس، وهم الطبقة الدانية من الانسان الذين سطح فهمهم المتوسط أنزل السطوح، يكثر إطلاق هذه الكلمة في حقهم كما قال تعالى: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الروم - 30، وقال تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) العنكبوت - 43، وهؤلاء أهل التقليد لا يسعهم تمييز الأمور المعنوية بالبينة والبرهان، ولا فرق الحق من الباطل بالحجة إلا بمبين يبين لهم وهاد يهديهم والقرآن هدى لهم ونعم الهدى، وأما الخاصة المستكملون في ناحيتي العلم والعمل، المستعدون للاقتباس من أنوار الهداية الإلهية والركون إلى فرقان الحق فالقرآن بينات وشواهد من الهدى والفرقان في حقهم فهو يهديهم إليه ويميز لهم الحق ويبين لهم كيف يميز، قال تعالى: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم) المائدة - 16.
ومن هنا يظهر وجه التقابل بين الهدى والبينات من الهدى، وهو التقابل بين العام والخاص فالهدى لبعض والبينات من الهدى لبعض آخر.