أن ينسخه آية الحرث، وهو دلالة آية المحيض على أن المحيض أذى وأنه السبب لتشريع حرمة إتيانهن في المحيض والمحيض أذى دائما، ودلالتها أيضا على أن تحريم الاتيان في المحيض نوع تطهير من القذارة والله سبحانه يحب التطهير دائما، ويمتن على عباده بتطهيرهم كما قال تعالى: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم " المائدة - 6.
ومن المعلوم أن هذا اللسان لا يقبل التقييد بمثل قوله تعالى: نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم، المشتمل أولا على التوسعة، وهو سبب كان موجودا مع سبب التحريم وعند تشريعه ولم يؤثر شيئا فلا يتصور تأثيره بعد استقرار التشريع وثانيا على مثل التذييل الذي هو قوله تعالى: وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين، ومن هذا البيان يظهر: ان آية الحرث لا تصلح لنسخ آية المحيض سواء تقدمت عليها نزولا أو تأخرت.
فمحصل معنى الآية: أن نسبة النساء إلى المجتمع الانساني نسبة الحرث إلى الانسان فكما أن الحرث يحتاج إليه لابقاء البذور وتحصيل ما يتغذى به من الزاد لحفظ الحياة وابقائها كذلك النساء يحتاج إليهن النوع في بقاء النسل ودوام النوع لان الله سبحانه جعل تكون الانسان وتصور مادته بصورته في طباع أرحامهن، ثم جعل طبيعة الرجال وفيهم بعض المادة الأصلية مائلة منعطفة إليهن، وجعل بين الفريقين مودة ورحمة، وإذا كان كذلك كان الغرض التكويني من هذا الجعل هو تقديم الوسيلة لبقاء النوع فلا معنى لتقييد هذا العمل بوقت دون وقت، أو محل دون محل إذا كان مما يؤدي إلى ذلك الغرض ولم يزاحم أمرا آخر واجبا في نفسه لا يجوز إهماله، وبما ذكرنا يظهر معنى قوله تعالى وقدموا لأنفسكم.
ومن غريب التفسير الاستدلال بقوله تعالى: نسائكم حرث لكم الآية، على جواز العزل عند الجماع والآية غير ناظرة إلى هذا النوع من الاطلاق، ونظيره تفسير قوله تعالى وقدموا لأنفسكم، بالتسمية قبل الجماع.
قوله تعالى: وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين، قد ظهر: ان المراد من قوله: قدموا لأنفسكم وخطاب الرجال أو مجموع الرجال