كناية عن الامر بالجماع على ما يليق بالقرآن الشريف من الأدب الإلهي البارع، وتقييد الامر بالاتيان بقوله امركم الله، لتتميم هذا التأدب فإن الجماع مما يعد بحسب بادي النظر لغوا ولهوا فقيده بكونه مما أمر الله به أمرا تكوينيا للدلالة على أنه مما يتم به نظام النوع الانساني في حياته وبقائه فلا ينبغي عده من اللغو واللهو بل هو من أصول النواميس التكوينية.
وهذه الآية أعني قوله تعالى: فأتوهن من حيث امركم الله، تماثل قوله تعالى:
فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم " البقرة - 187، وقوله تعالى: " فأتوا حرثكم انى شئتم وقدموا لأنفسكم " البقرة - 223، من حيث السياق، فالظاهر أن المراد بالامر بالاتيان في الآية هو الامر التكويني المدلول عليه بتجهيز الانسان بالأعضاء والقوى الهادية إلى التوليد، كما أن المراد بالكتابة في قوله تعالى: وابتغوا ما كتب الله لكم أيضا ذلك، وهو ظاهر، ويمكن ان يكون المراد بالامر هو الايجاب الكفائي المتعلق بالأزواج والتناكح نظير سائر الواجبات الكفائية التي لا تتم حياة النوع إلا به لكنه بعيد.
وقد استدل بعض المفسرين بهذه الآية على حرمة إتيان النساء من أدبارهن، وهو من أوهن الاستدلال وأرداه، فإنه مبني إما على الاستدلال بمفهوم قوله تعالى:
فأتوهن وهو من مفهوم اللقب المقطوع عدم حجيته، وإما على الاستدلال بدلالة الامر على النهي عن الضد الخاص وهو مقطوع الضعف.
على أن الاستدلال لو كان بالامر في قوله تعالى: فأتوهن فهو واقع عقيب الحظر لا يدل على الوجوب، ولو كان بالامر في قوله تعالى: من حيث امركم الله، فهو إن كان أمرا تكوينيا كان خارجا عن الدلالة اللفظية، وإن كان أمرا تشريعيا كان للايجاب الكفائي، والدلالة على النهي عن الضد على تقدير التسليم إنما هي للامر الايجابي العيني المولوي.
قوله تعالى: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، التوبة هي الرجوع إلى الله سبحانه والتطهر هو الاخذ بالطهارة وقبولها فهو انقلاع عن القذارة ورجوع إلى الأصل الذي هو الطهارة فالمعنيان يتصادقان في مورد أوامر الله سبحانه ونواهيه، وخاصة