هذا يكون أصل استعمال القذارة بمعنى النجاسة من باب الاستعارة لاستلزام نجاسة الشئ تبعد الانسان عنه، وكذلك الرجس والرجز بكسر الراء، وكأن الأصل في معناه الهول والوحشة فدلالته على النجاسة استعارية.
وقد اعتبر الاسلام معنى الطهارة والنجاسة، وعممهما في المحسوس والمعقول، وطردهما في المعارف الكلية، وفي القوانين الموضوعة، قال تعالى: " ولا تقربوهن حتى يطهرن الآية "، وهو النقاء من الحيض وانقطاع الدم، وقال تعالى: " وثيابك فطهر " المدثر - 4، وقال تعالى: " ولكن يريد ليطهركم " المائدة - 6، وقال تعالى:
أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم " المائدة - 41، وقال تعالى: " لا يمسه إلا المطهرون " الواقعة - 79.
وقد عدت الشريعة الاسلامية عدة أشياء نجسة كالدم والبول والغائط والمني من الانسان وبعض الحيوان والميتة والخنزير أعيانا نجسة، وحكم بوجوب الاجتناب عنها في الصلاة وفي الاكل وفي الشرب، وقد عد من الطهارة أمور كالطهارة الخبثية المزيلة للنجاسة الحاصلة بملاقات الأعيان النجسة، وكالطهارة الحدثية المزيلة للحدث الحاصلة بالوضوء والغسل على الطرق المقررة شرعا المشروحة في كتب الفقه.
وقد مر بيان أن الاسلام دين التوحيد فهو يرجع الفروع إلى أصل واحد هو التوحيد، وينشر الأصل الواحد في فروعه.
ومن هنا يظهر: أن أصل التوحيد هي الطهارة الكبرى عند الله سبحانه، وبعد هذه الطهارة بقية المعارف الكلية طهارات للانسان، وبعد ذلك أصول الأخلاق الفاضلة، وبعد ذلك الاحكام الموضوعة لصلاح الدنيا والآخرة، وعلى هذا الأصل تنطبق الآيات السابقة المذكورة آنفا كقوله تعالى: " يريد ليطهركم " المائدة - 6، وقوله تعالى: " ويطهركم تطهيرا " الأحزاب - 33، إلى غير ذلك من الآيات الواردة في معنى الطهارة.
ولنرجع إلى ما كنا فيه فقوله تعالى: حتى يطهرن، أي ينقطع عنهن الدم، وهو الطهر بعد الحيض، وقوله تعالى: فإذا تطهرن اي، يغسلن محل الدم أو يغتسلن، قوله تعالى: فأتوهن من حيث امركم الله، أمر يفيد الجواز لوقوعه بعد الحظر، وهو