واستشهد لاستعمال اللبس وما في معناه للاتصاف بالشئ بقوله صلى الله عليه وسلم " المتشبع بما لا يملك كلابس ثوبي زور " وبقول الفرزدق: فلا أب وابنا الخ. حيث استعمل اللبس وما في معناه للاتصاف بالشئ والتلبس به، ولابس ثوبي زور هو الذي استعار ثوبا ليتجمل به أو يتنسك لتقبل شهادته فهو يشهد زورا، ويظهر أنه له وليس له فيصير كأنه لابس ثوبين من الزور، وإضافة ثوبين إلى الزور على معنى اختصاصهما من جهة كونهما ملبوسين لأجله، وقد كثر استعمال نحو اللباس والرداء والإزار في كثير من المنثورات والأشعار، وأورد في معان مختلفة شائعة كمال الشيوع، وكفاك شاهدا على ذلك كلام رب العزة جل جلاله (فأذاقها الله لباس الجوع) وقد ورد عنهم كثيرا هذا الأداء، ومن ذلك ما قيل لكثير الإحسان غمر الرداء حتى استعملوا ذلك في التورية والإيهام، وما أحسن أن يورد لأدنى ملابسة في المتكبر المتكثر في هذا المقام قوله:
لي صاحب أحمق ذو فاقة * أهلكه الإفلاس والفقر لم يمتلك والله ملوطة * عنده مع فقره كبر وقد تجوزوا في اللباس بحسب الاستعمال حتى جوزوا للنساء لبس عمائم الرجال، وعلى كل حال فما أقبح المتشبع المتلبس بلباس الغير، واللائق أن يلبس لكل حالة ملبوسها (ولباس التقوى ذلك خير) وبالجملة والتفصيل فيحسن أن ينشد من كلام المصنف في استعمال اللباس ما قيل:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه * فكل رداء يرتديه جميل (من كان مسرورا بمقتل مالك * فليأت نسوتنا بوجه نهار) يجد النساء حواسرا يندبنه * يلطمن أوجههن بالأسحار في سورة آل عمران عند قوله تعالى (آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النار) والمعنى: أظهروا الإيمان بما أنزل على المسلمين في أول النهار واكفروا به آخره لعلهم يشكون في دينهم ويقولون ما رجعوا وهم أهل كتب إلا لأمر قد تبين لهم فيرجعون برجوعهم، والبيت من أبيات الحماسة للربيع بن زياد يرثى مالك بن زهير العبسي، وكانت عادتهم أن لا يندبوا القتيل إلا بعد أخذ الثأر. يقول للأعداء المنابذين: من كان مسرورا ويظهر الشماتة بقتل مالك فليأت نساءنا في أول النهار يجد ما كان محرما من الندبة والبكاء قد حل، وإن الحظر الواقع في بكائهن قد ارتفع بدرك الثأر والانتقام من العدو، وكانت العرب إذا قتل منها قتيل شريف لا يبكى عليه ولا تندبه النساء إلى أن يقتل قاتله، فإذا فعل ذلك خرجت النساء وندبنه فيجدن مقتله قد صح: وقال المرزوقي: ورأيت ابن العميد يقول: إني لأتعجب من أبى تمام مع تكلفه الفحص عن جوانب ما اختاره من الأبيات كيف ترك قوله:
فليأت نسوتنا، وهى لفظة شنيعة جدا، ونعم ما قال المرزوقي: فليأت ساحتنا بوجه نهار، وأول الأبيات:
إني أرقت فلم أغمض حار * من سيئ النبأ الجليل الساري من مثله تمسى النساء حواسرا * وتقوم معولة مع الأسحار أفبعد مقتل مالك بن زهير * ترجو النساء عواقب الأطهار ما إن أرى في قتله لذوي النهى * إلا المطي تشد بالأكوار وبعده البيتان..، وبعدهما: