تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٠١
من حيث إن المراد نفى الحجة ونزولها جميعا كقوله * ولا ترى الضب بها ينجحر * مراده أن ينفى الضب والانجحار جميعا ومثله قول ذي الرمة:
لا تشتكى سقطة منها وقد رقصت * بها المفاوز حتى ظهرها حدب أي وليس منها سقطة فتشتكى، وقد تقدم الكلام على معنى الآية عند قوله:
على لأحب لا يهتدى بمناره * إذا سافه العود النباطي جرجرا (وما مثله ممن يجاود حاتم * ولا البحر ذو الأمواج يلتج زاخره) في سورة النساء عند قوله تعالى (لن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله ولا الملائكة المقربون) وقد جنح الزمخشري في تفسير الآية إلى ما هو دأبه في ترويج مذهب الاعتزال، وقد رد المولى سعد الدين ذلك عليه بأبلغ رد، فتعين كتابة ذلك ليحذر مما جنح إليه، قال: ولا من هو أعلى قدرا منه وأعظم خطرا وهم الملائكة الكروبيون الذين هم حول العرش كجبريل وميكائيل وإسرافيل ومن في طبقتهم. فإن قلت: من أين دل قوله ولا الملائكة المقربون على أن المعنى ولا من فوقه؟ قلت من حيث إن علم المعاني لا يقتضى غير ذلك، وذلك أن الكلام إنما سيق لرد مذهب النصارى وغلوهم في رفع المسيح عن منزلة العبودية، فوجب أن يقال لهم لن يترفع عيسى عن العبودية ولا من هو أرفع منه درجة، كأنه قيل: لن يستنكف الملائكة المقربون من العبودية فكيف بالمسيح، ويدل عليه دلالة ظاهرة بينة تخصيص المقربين لكونهم أرفع الملائكة درجة وأعلاهم منزلة كما في البيت، ولا شك أن الشاعر قصد بالبحر ذي الأمواج ما هو فوق حاتم في الجود انتهى. قال المولى سعد الدين في حواشيه:
لا كلام في أن مقتضى علم المعاني والذوق الصحيح السليم هو هذا المعنى: أعنى ولا من فوقه، يقال: لن يستنكف من هذا الأمر الوزير ولا السلطان، ولا يقال السلطان ولا الوزير، ولكن ينبغي للمستدل أن ينظر أيضا ويعرف أنهما لا يفيدان إلا الفوقية في المعنى الذي هو مظنة الاستنكاف والترفع عن العبودية، وذلك ههنا ما تزعم النصارى وهو التجرد والروحانية التي هي في عيسى عليه السلام من جهة أنه لا أب له، وكمال القدرة والتأييد الذي به يحيى الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، وهذا في الملائكة أقوى لأنهم لا أب لهم ولا أم ولهم بإذن الله تعالى من قوة قلع الجبال، ومزاولة مصاعب الأعمال والتصرف على الأحوال والأهوال ما يقل في جنبه الإحياء والإبراء، وهم مع ذلك لا يستنكفون إن يكونوا عبادا لله فكيف بعيسى عليه السلام، ولا دلالة لهذا على الأفضلية والأكملية بالمعنى المتنازع فيه، ثم أجاب بوجوه أخر فلتراجع.
(كاثر بسعدان سعدا كثيرة * ولا ترج من سعد وفاء ولا نصرا) في سورة المائدة عند قوله تعالى (قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث) ومن تعصبات الزمخشري قوله هنا: فاتقوا الله وآثروا الطيب وإن قل على الخبيث وإن كثر، ومن حق هذه الآية أن يلفح بها وجوه المجبرة إذا افتخروا بالكثرة. قال المولى سعد الدين في هذا المحل: سمعت بعض أستأذينا يقول: من حق هذه الآية أن يسخم بها وجوه المعتزلة حيث جمعوا إلى الخبيث الكثرة. الشاعر يخاطب أحدا ويقول كاثر بقبيلة سعد فإن سعدا قبيلة فيهم كثرة ولكن لا ترج منهم وفاء ولا نصرة فإنهم ليسوا من أهل الحفاظ والنصرة. وقوله يروقك (1) أي يعجبك من قبيلة سعد جسومهم، ولكن ترغب عنهم حين تجربهم، كما قيل: أخبر تقله.

(1) (قوله وقوله يروقك) ليست هذه اللفظة في البيت المذكور هنا، ولعله شرح لها في البيت بعد هذا البيت، كتبه مصححه.
(٤٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 ... » »»
الفهرست