في سورة البقرة عند قوله تعالى (صم بكم عمى) أي ليس لك أن تقول قد طوى في قوله (صم بكم عمى) ذكر المستعار له وهم المنافقون عن الجملة بحذف المبتدأ فليكن ذلك استعارة، قلنا إن المطوى هنا في حكم المنطوق به، ونظيره قوله عمران بن حطان قاتل الحجاج: أسد على: أي أنت أسد. والنعام يضرب به المثل في الجبن فيقال: إنه لأجبن من نعامة. والفتخاء تأنيث الأفتخ، والفتخ: هو انفراج ولين في الأصابع. وغزالة: امرأة شبيب الخارجي. قيل إن الحجاج قتل شبيبا الخارجي، فدخلت امرأته غزالة الكوفة في ثلاثين فارسا ومعها ثلاثون ألف مقاتل، فصلت الغداة وقرأت البقرة وحاربته سنة كاملة وهزمت الحجاج وهى تمشى خلفه. فالشاعر يقول: هو أسد على وفى الحروب مثل النعام جبنا ينفر من صفير الصافر. والصفير: صوت المكاء، ثم وبخه وعيره وقال: هلا حملت على هذه المرأة في الوغى، بل كان قلبك في الوجيب والخفقان من الحزن في جناحي طائر.
(يا تيم تيم عدى لا أبا لكم * لا يلقينكم في سوأة عمر) تعرضت تيم لي عمدا لأهجوها * كما تعرض لأست الخارئ الحجر في سورة البقرة عند قوله تعالى (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم) حيث أقحم الموصول الثاني بين الأول وصلته تأكيدا كما أقحم جرير في قوله: يا تيم تيم تيما الثاني بين الأول وما أضيف إليه.
قال الميداني: إذا قال لا أبا لكم لم يترك من الهجو شيئا. قيل كان عمر التميمي أراد أن يهجو جريرا، فخاطب جرير قبيلة تيم وقال لهم: لا تتركوا عمر أن يقول شعرا في هجوى فيصيبكم شرى ومكري بسبب عمر. وفى البيت الثاني هجا نفسه أقبح هجو لأنه شبه نفسه بأست الخارئ.
(أربا واحدا أو ألف رب * أدين إذا تقسمت الأمور) في سورة البقرة عند قوله تعالى (فلا تجعلوا لله أندادا) وقائله زيد بن عمرو بن نفيل حين فارق دين قومه قال تعالى (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) وبعد البيت:
تركت اللات والعزى جميعا * كذلك يفعل الرجل البصير (ولرهط حراب وقذ سورة * في المجد ليس غرابها بمطار) قوم إذا كثر الصياح رأيتهم * وقرا غداق الروع والانفار في سورة البقرة عند قوله تعالى (فأتوا بسورة من مثله) إذ أريد بالسورة المرتبة لأن السور كالمنازل والمراتب يترقى فيها القارئ، وحراب بالراء: حراب بن زهير. وقذ بالذال المعجمة: قذ بن مالك، وهما أسديان. يصف الرهطين بالكثرة ودوام المجد لهم، فإن النبات والشجر إذا كثر قيل لا يطار غرابه. وقوله في المجد استعارة بأن مجدهم دائم ليس بمقلع ثابت غير منقشع: وأصل ذلك أن النبات والشجر إذا كثر قيل لا يطير غرابه: أي إذا وقع في هذا المكان الخصب لا ينتقل إلى غيره. وقوله: إذا كثر الصياح: أي في الحروب. وقوله وقرا من الوقار: أي لا يستفزهم الصياح، ووصف الصحابة رضي الله عنهم كأنهم على رؤوسهم الطير لسكونهم من هيبته صلى الله عليه وسلم، وأصله أن الغراب يقع على رأس البعير فيلتقط منه الحلمة والحمنانة، ولا يحرك رأسه لئلا ينفر منه الغراب.
(إن الكرام كثير في البلاد وإن * قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا) في سورة البقرة عند قوله تعالى (يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا) يعنى أهل الهدى كثير في أنفسهم، وحين