تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٥٣٣
في سورة المؤمنين عند قوله تعالى (فأرسلنا فيهم رسولا منهم) إنما جعل القرية موضع الإرسال ليدل على أنه لم يأتهم من مكان غير مكانهم وإنما أوحى إليه من بين أظهرهم، فإن حق أرسل أن يعدى بإلى كأخواته التي هي وجه وأنفذ وبعث ولكنه عدى في القرآن بإلى تارة وبفي أخرى، كقوله (وكذلك أرسلناك في أمة - وما أرسلنا في قرية من نذير - فأرسلنا فيهم رسولا) أي في عاد، وفى موضع آخر (وإلى عاد أخاهم هودا) فقد جعل القرية موضعا للإرسال كما في البيت، وقد جاء بعث على ذلك في قوله (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا) يقال أصعب الجمل: إذا لم يركب ولم يذلل فهو مصعب، وبه سمى الرجل المسود مصعبا. وقوله ذا إقحام: أي يقحم في الأمور ويدخل فيها بغير تلبث ولا روية. وأعرابي مقحم: نشأ في المفازة لم يخرج منها. والطب: الحاذق.
يقال عمل هذا عملا من طب لمن حب. يقول: أرسلت في هذه القضية رجلا مسودا مقحما في الأمور حاذقا بعلاج ذي الأبلام، وهى جراحة الرحم، وإنما خص علاج هذا لأن من كان حاذقا أن يأسو جراحة الرحم ذات الخطر المستترة عن العيون كان في غاية الحذافة.
(فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي * وإن كنت أفتى منكم أتأيم) في سورة النور عند قوله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم) وأيامى: مقلوب أيائم الأيامى واليتامى أصلهما أيائم ويتأم فقلبا، والأيم للرجل والمرأة، وقد آم وآمت وتأيما إذا لم يتزوجا بكرين كانا أو ثيبين وأتأيم جزاء لأن تتأيمي، وقوله وإن كنت أفتى منكم اعتراض. يخاطب محبوبته ويقول لها أوافقك على حالتي التزويج والتأيم.
(يوم النسار ويوم الجفا) * ركانا عذابا وكانا غراما) في سورة الفرقان عند قوله تعالى (إن عذابها كان غراما) أي هلاكا وخسرانا ملحا لازما، يوم النسار يوم وقعة من وقعات العرب قال الشاعر:
غضبت تميم أن تقتل عامر * يوم النسار فأعتبوا بالصيلم ويوم الجفار كذلك، وقوله كان غراما: أي هلاكا، وقيل الغرام الشر الدائم اللازم.
(جزى الله ابن عروة حيث أمسى * عقوقا والعقوق له أثام) في سورة الفرقان عند قوله تعالى (يلق أثاما) والأثام جزاء الإثم بوزن الوبال والنكال ومعناهما كما في البيت، وقيل هو الإثم، ومعناه: يلق جزاء أثام، فأطلق اسم الشئ عليه جزائه. والعقوق مصدر: وهو ترك بر الوالدين ومعناه: جزى الله ابن عروة شر جزاء عاقا، والعقوق له جزاء سيئ.
ولا يخيم اللقاء فارسهم * (حتى يشق الصفوف من كرمه) في سورة الشعراء عند قوله تعالى (كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم) والكريم: صفة لكل ما يرضى ويحمد في بابه، يقال وجه كريم: إذا رضى في حسنه وجماله، وكتاب كريم: مرضى في معانيه وفوائده كما في البيت:
أي من كونه مرضيا في شجاعته وبأسه، والنبات الكريم: المرضى فيما يتعلق به من المنافع: أي لا يجبن. واللقاء ينتصب على المفعول معه أو الأصل عن اللقاء. وقوله حتى يشق الصفوف من كرمه: يريد إلى أن يشقها كرما منه، وإنه لا يرضى بأدون المنزلتين واللقاء لنفسه بل يأبى إلى النهاية والعلو: أي من كونه مرضيا في شجاعته وبأسه، والبيت من أبيات الحماسة، وقبله:
(٥٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 528 529 530 531 532 533 534 535 536 537 538 ... » »»
الفهرست