تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٥٢٨
(أناس أصدوا الناس بالسيف عنهم * صدود السوافي في أنوف الحوائم) في سورة إبراهيم عند قوله تعالى (يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله) قرأ الحسن ويصدون بضم الياء وكسر الصاد، يقال صده عن كذا وأصده، والصدد: القرب. يقال داري صدد داره: أي مقابلتها نصب على الظرفية. يقول: صرفوا الناس بالسيف عن أنفسهم: يعنى أنهم هزموهم كما تطرد السواقي بالفاء: وهى الرياح التي تسفى التراب: أي كما تصد الرياح عن أنوف الجبال. وقيل صدود الولائد السوافي للإبل عن أنوف العطاش بالنار وهى منها، والسوافي: الذين يسقون الماشية. أو السواقي واحدة الساقية وهى فوق الجدول ودون النهر غرائب الإبل عن إبلهم، وكما تصد السقاة عن الحوض غيرها. والحوائم: الإبل الغرائب، وقيل العطاش. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة القصص عند قوله تعالى (ولا يصدنك عن آيات الله) حيث قرئ يصدنك من أصده بمعنى صده وهى لغة كلب.
(تتمة) قال في الصحاح في مادة صد بعد أن أنشد هذا البيت: وصداء اسم ركية عذبة الماء، وفى المثل:
ماء ولا كصداء، وقلت لأبى على النحوي هو فعلاء من المضاعف؟ فقال: نعم، وأنشدني لضرار بن عتبة العبشمي:
كأني من وجد بزينب هائم * يخالس من أحواض صداء مشربا يرى دون برد الماء هولا وذادة * إذا اشتد صاحوا قبل أن يتحببا (وما الناس بالناس الذين عهدتهم * ولا الدار بالدار التي كنت تعلم) في سورة إبراهيم عند قوله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) اختلف في تبديل الأرض والسماوات، فقيل: تبدل أوصافهما فتسير عن الأرض جبالها وتفجر بحارها وتسوى فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وأنشد: وما الناس بالناس الخ، وتبدل السماء بانتثار كواكبها وكسوف شمسها وخسوف قمرها وانشقاقها وكونها أبوابا: يعنى تغيرت البلاد والعباد والمكان عما عهدت، فلا الناس كما عهدتم ولا الديار كما أبصرتها كما قال:
تغيرت البلاد ومن عليها * فوجه الأرض مغبر قبيح وفى التبديل قولان: هل يتعلق بالذات أو بالصفة؟ وإلى الثاني مال ابن عباس، وأنشد:
وما الناس بالناس الذين عهدتم * الخ (الباب وانظري في النجوم * كم علينا من قطع ليل بهيم) في سورة الحجر عند قوله تعالى (فأسر بأهلك بقطع من الليل) بظلمة. القطع قال في الصحاح: ظلمة آخر الليل، ومنه قوله تعالى (فأسر بأهلك بقطع من الليل) وأنشد البيت كأن القائل طال عليه الليل فخاطب ظعينته بذلك وأنه يحب طوله للوصال، فقال لها افتحي الباب وانظري في النجوم كم بقى علينا من آخر الليل؟.
(ذم المنازل بعد منزلة اللوى * والعيش بعد أولئك الأيام) في سورة الإسراء عند قوله تعالى (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) حيث كان أولاء يقع على جمع أو جماعة. وكان الجمع والجماعة يقع على الرجال والنساء والحيوان والمذكر والمؤنث والأجسام والأعراض، لكنه في الاستعمال شائع في أولى العلم، واللوى: موضع بعينه: يعنى أن المنزلة الطيبة والعيش الطيب ما مضى بمنزلة اللوى، وما سوى ذلك مذموم في جنبه. واعتذر ابن عطية عن الإشارة به لغير العقلاء بأنها
(٥٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 523 524 525 526 527 528 529 530 531 532 533 ... » »»
الفهرست