تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٥٢٣
علينا أو عظت) إلى قوله (وما نحن بمعذبين) فأصابهم عند تكذيبه ما ذكر الله في كتابه (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية) إلى قوله (فهل ترى لهم من باقية) وذلك أن الله تعالى حبس عنهم القطر ثلاث سنين لم يروا فيها مطرا حتى جهدهم ذلك، فبعثوا من قومهم وفدا إلى مكة ليستسقوا لهم ورأسوا عليهم قبل بن عنز ونميم بن هزالة ومرثد ابن سعد بن عفير، وكان مؤمنا يكتم إيمانه، وجلهمة بن الحلس بن خالة معاوية بن بكر ولقمان بن عاد صاحب النسور، فانطلق كل رجل منهم مع قوم من رهطه حتى بلغ عددهم سبعين رجلا، فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وكانوا أخواله وأصهاره، فأنزلهم وأكرمهم وأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيم الجرادتان قينتا معاوية، ويقال: إنهما أول من غنى في العرب، والخبر يذكر بالخبر إذا كان من جنسه، وأول من غنى في الإسلام الغناء الرقيق طويس، وهو يضرب المثل بشؤمه فيقال: أشأم من طويس، والصوت الذي غنى به هو هذا: قد براني الشوق حتى * كدت من شوقي أذوب فنسوا قومهم شهرا. وقال معاوية: هلك أخوالي ولو قلت لهؤلاء شيئا ظنوا بي بخلا، فقال هذا الشعر وألقاه إلى الجرادتين، فلما غنتهم الجرادتان قال بعضهم لبعض: يا قوم إنما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم، فأدخلوا الحرم نستسقى لقومنا، فقال مرثد بن سعد وهو المؤمن منهم: والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيكم سقيتم وأظهر إيمانه، فقال معاوية حين سمع كلامه يخاطبه:
أبا سعد فإنك من قبيل * ذوي كرم وأمك من ثمود فإنا لا نطيعك ما بقينا * ولسنا فاعلين لما تريد أتأمرنا لنترك دين وفد * وزمل وآل صدى والعبود أتترك دين آباء كرام * ذوي رأى وتتبع دين هود ثم قالوا لمعاوية: احبس عنا مرثدا فلا يقدم معنا مكة فإنه قد ترك ديننا وتبع دين هود، وخرجوا لمكة يستسقون بها لعاد، فلما ولوا خرج مرثد حتى أدركهم قبل أن يصلوا، فلما انتهى إليهم قال: اللهم أعطني سؤلي ولا تدخلني في شئ مما يدعو به وفد عاد. اللهم إن كان هود صادقا فاسقنا فقد هلكنا، فأنشأ الله تعالى ثلاث سحابات بيضاء وحمراء وسوداء ثم نادى مناد من السماء: يا قيل اختر لقومك ولنفسك من هذه السحائب، فقال:
أما البيضاء فجفل، وأما الحمراء فعارض، وأما السوداء فهيطل وهى أكثرها ماء فاختارها، فنادى مناد: قد اخترت لقومك رمادا رمدا، لا يبقى من عاد أحدا، لا والدا ولا ولدا، قال: وسير الله السحابة التي اختار قيل إلى عاد، فنودي لقمان سل، فسأل عمر سبعة أنسر فأعطى ذلك، وكان يأخذ النسر من وكره فلا يزال عنده حتى يموت، وكان آخرها لبد وهو الذي يقول فيه النابغة:
أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا * أخنى عليها الذي أخنى على لبد (ينباع من ذفري أسيل حرة * زيافة مثل الفنيق المكدم) في سورة الأعراف عند قوله تعالى (وتنحتون من الجبال بيوتا) وقرأ الحسن وتنحاتون بإشباع الفتحة كما في البيت وإشباع الفتحة لإقامة الوزن، فتولدت ألف من إشباعها، والذفريان بالمعجمة: أصول الأذنين.
والأسيل: صفة الناقة. ويقال خد أسيل كف أسيل. والحر من كل شئ: خالصه، ومنه أرض حرة لاخراج
(٥٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 528 ... » »»
الفهرست