وروى بخس درهم، وكانوا يأخذون من كل شئ يباع شيئا كما يفعل السماسرة، وكانوا يمكسون الناس أو ينقصون من أيمان ما يشترون من الأشياء فهنوا عن ذلك، الإتاوة: الرشوة.
(حاشا أبى ثوبان إن أبا * ثوبان ليس ببكمة فدم عمرو بن عبد الله إن به * ضنا عن الملحاة والشتم) في سورة يوسف عند قوله تعالى (حاش لله) هي كلمة تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء، تقول أساء القوم حاشا زيد. يقال بكم فلان: إذا امتنع عن الكلام جهلا، ومن لطيف هذه المادة ما أنشد للصغاني، وقد وصل في كتابه الذي وضعه في اللغة إلى مادة بكم قول بعضهم:
إن الصغاني الذي * حاز العلوم والحكم كان قصارى أمره * أن انتهى إلى بكم والفدم: العي عن الحجة، وعمرو بدل من أبى ثوبان. وإن به ضنا بكسر الضاد: أي يضن بنفسه عن الملحاة وهى مفعلة من لحيت الرجل: إذا لمته، واللحاء مكسور ممدود اللعن والعذل، واللواحي: العواذل، مشتق من لحوت العود: إذا قشرته، ومنه قولهم للمعترض في غير محله اعتراض: بين العصا ولحائها، وفى طريق ذلك قولهم: اعترض بين السيف وغمده. ومن لطيف ذلك ما ضمنه بعضهم في بعضهم حيث قال:
يقولون سيف الدين من أجل علقة * جفاك فلا تأمن غوائل حقده فقلت لهم يا قوم ما أنا جاهل * فأدخل بين السيف عمدا وغمده يقول الشاعر: امتنع أبو ثوبان عن السوء كله وإنه ليس بأبكم ولا فدم، ثم كأنه سئل ثانيا لم استثنيته؟ فقال:
لأنه يضن بنفسه عن الملحاة والشتم، وذلك لأنه لا يفعل ما يصيره مستحقا لهما.
(فحصحص في صم الصفا ثفناته * وتاء بسلمى نوأة ثم صمما) في سورة يوسف عند قوله تعالى (الآن حصحص الحق) وقرئ حصحص على البناء للمفعول، وهو من حصحص البعير: إذا ألقى ثفناته للإناخة، والثفنات جمع ثفنة: وهى ما ولى الأرض من كل ذي أربع إذا برك كالركبتين والفخذين. وناء: أي قام بثقل حمله. والتصميم: المضي في الأمر. يقول: هذا البعير ألقى ثفناته للإناخة ثم قام بسلمى وقصد السفر وبغى في السير. وفى الحديث: " أن سمرة بن جندب أتى برجل عنين، فاشترى له جارية من بيت المال وأدخلها معه ليلة، فلما أصبح قال له: ما صنعت؟ قال: فعلت حتى حصحصت فيه، فسأل الجارية فقالت: لم يصنع شيئا، فقال: خل سبيلها يا محصحص ". والبيت لحميد بن ثور يصف بعيرا.
(حتى تهجر في الرواح وهاجها * طلب المعقب حقه المظلوم) في سورة الرعد عند قوله تعالى (والله يحكم لا معقب لحكمه) لا راد لحكمه. والمعقب: الذي يكر على الشئ فيبطله، وحقيقته الذي يقعبه بالرد والإبطال، ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقتفى غريمه بالاقتضاء والطلب، كما قال لبيد يصف حمارا وأتانا خرج في الهاجرة. وهاجها: أي الأتان، والمعقب: الذي يطلب حقه مرة بعد مرة. يقول: تردد الحمار خلف الأتان يطلبها طلبا كطلب المعقب المظلوم حقه، ثم جعله المظلوم في آخر القافية فرفعه على المعنى لأنه هو الفاعل، والتقدير كما طلب المعقب المظلوم حقه.