تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٥٢٧
وروى بخس درهم، وكانوا يأخذون من كل شئ يباع شيئا كما يفعل السماسرة، وكانوا يمكسون الناس أو ينقصون من أيمان ما يشترون من الأشياء فهنوا عن ذلك، الإتاوة: الرشوة.
(حاشا أبى ثوبان إن أبا * ثوبان ليس ببكمة فدم عمرو بن عبد الله إن به * ضنا عن الملحاة والشتم) في سورة يوسف عند قوله تعالى (حاش لله) هي كلمة تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء، تقول أساء القوم حاشا زيد. يقال بكم فلان: إذا امتنع عن الكلام جهلا، ومن لطيف هذه المادة ما أنشد للصغاني، وقد وصل في كتابه الذي وضعه في اللغة إلى مادة بكم قول بعضهم:
إن الصغاني الذي * حاز العلوم والحكم كان قصارى أمره * أن انتهى إلى بكم والفدم: العي عن الحجة، وعمرو بدل من أبى ثوبان. وإن به ضنا بكسر الضاد: أي يضن بنفسه عن الملحاة وهى مفعلة من لحيت الرجل: إذا لمته، واللحاء مكسور ممدود اللعن والعذل، واللواحي: العواذل، مشتق من لحوت العود: إذا قشرته، ومنه قولهم للمعترض في غير محله اعتراض: بين العصا ولحائها، وفى طريق ذلك قولهم: اعترض بين السيف وغمده. ومن لطيف ذلك ما ضمنه بعضهم في بعضهم حيث قال:
يقولون سيف الدين من أجل علقة * جفاك فلا تأمن غوائل حقده فقلت لهم يا قوم ما أنا جاهل * فأدخل بين السيف عمدا وغمده يقول الشاعر: امتنع أبو ثوبان عن السوء كله وإنه ليس بأبكم ولا فدم، ثم كأنه سئل ثانيا لم استثنيته؟ فقال:
لأنه يضن بنفسه عن الملحاة والشتم، وذلك لأنه لا يفعل ما يصيره مستحقا لهما.
(فحصحص في صم الصفا ثفناته * وتاء بسلمى نوأة ثم صمما) في سورة يوسف عند قوله تعالى (الآن حصحص الحق) وقرئ حصحص على البناء للمفعول، وهو من حصحص البعير: إذا ألقى ثفناته للإناخة، والثفنات جمع ثفنة: وهى ما ولى الأرض من كل ذي أربع إذا برك كالركبتين والفخذين. وناء: أي قام بثقل حمله. والتصميم: المضي في الأمر. يقول: هذا البعير ألقى ثفناته للإناخة ثم قام بسلمى وقصد السفر وبغى في السير. وفى الحديث: " أن سمرة بن جندب أتى برجل عنين، فاشترى له جارية من بيت المال وأدخلها معه ليلة، فلما أصبح قال له: ما صنعت؟ قال: فعلت حتى حصحصت فيه، فسأل الجارية فقالت: لم يصنع شيئا، فقال: خل سبيلها يا محصحص ". والبيت لحميد بن ثور يصف بعيرا.
(حتى تهجر في الرواح وهاجها * طلب المعقب حقه المظلوم) في سورة الرعد عند قوله تعالى (والله يحكم لا معقب لحكمه) لا راد لحكمه. والمعقب: الذي يكر على الشئ فيبطله، وحقيقته الذي يقعبه بالرد والإبطال، ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقتفى غريمه بالاقتضاء والطلب، كما قال لبيد يصف حمارا وأتانا خرج في الهاجرة. وهاجها: أي الأتان، والمعقب: الذي يطلب حقه مرة بعد مرة. يقول: تردد الحمار خلف الأتان يطلبها طلبا كطلب المعقب المظلوم حقه، ثم جعله المظلوم في آخر القافية فرفعه على المعنى لأنه هو الفاعل، والتقدير كما طلب المعقب المظلوم حقه.
(٥٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 522 523 524 525 526 527 528 529 530 531 532 ... » »»
الفهرست