تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٣٠
مرداس السلمي، والحي المصبح بنو زبيد من اليمن. جمع العباس من جميع بطون بني سليم ثم خرج بهم حتى صبح على بني زبيد بتثليث من أراضي اليمن بعد تسع وعشرين ليلة فقتل منهم وغنم، وصفهم بكمال الشجاعة ليكون أدل على شجاعة من غلبهم، وهو من الكلام المنصف أيضا كقوله:
* فشركما لخيركما الفداء * والمصبح: الذي يأتي صبحا للغارة، وحقيقة الرجل: ما لزمه الدفاع عنه من أهل بيته. والقوانس جمع قونس: وهو أعلى البيضة، والبيضة قلنسوة من حديد تلبس لدفع السيف. يقول: لم أر مغارا عليهم كالذين صبحناهم ولا مغيرا مثلنا يوم لقيناهم، تناول المدح كلا الفريقين من أصحابهم وأصحابه. وقوله القوانس جمع قونس:
وهو ما بين أذني الفرس، قال:
أضرب عنك الهموم طارقها * ضربك بالسيف قونس الفرس وسيأتي الكلام على هذا البيت بما فيه كفاية، وقوله القوانس ليس منصوبا بأضرب وإنما هو منصوب بفعل مضمر وهو يضرب، ولكن قال الزمخشري: إن أمد لا يخلو إما أن ينصب بأفعل وأفعل لا يعمل، وإما أن ينصب بلبثوا فلا يسد عليه المعنى، فإن زعمت أن نصبه بإضمار فعل يدل عليه أحصى كما أضمر في قوله:
* وأضرب منا بالسيوف القوانسا * على نضرب القوانس فقد أبعدت المتناول، وهو قريب حيث أبيت أن يكون أحصى فعلا ثم رجعت مضطرا إلى تقديره وإضماره انتهى. أقول: ومن هذا الباب قوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) فإنه لا يجوز أن يكون العامل فيه أعلم لأن المعنى يصير أعلم في هذا الموضع أو هذا الوقت، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون العامل أعلم بل فعلا يدل عليه، ومن ذلك قوله تعالى (أعلم من يضل عن سبيله) لأن أفعل لا يضاف إلا إلى ما هو بعض له، وليس ربنا تعالى من المضلين عن سبيله فيضاف إليهم، وبعد البيتين:
إذا ما شددنا شدة نصبوا لنا * صدورا المذاكى والرماح المداعسا إذا الخيل جالت عن صريع نكرها * عليهم فما يرجعن إلا عوابسا (إلى ظعن يقرضن أقواز مشرف * شمالا وعن أيمانهن الفوارس) هو لذي الرمة. في سورة الكهف عند قوله تعالى (تقرضهم ذات اليمين وذات الشمال) وتقرضهم تقطعهم ولا تقربهم من معنى القطيعة والصرم، يقال قرض المكان: عدل عنه. الظعينة: المرأة الظاعنة، ولا تسمى ظعينة حتى تكون في الهودج والجمع ظعائن وظعن. يقرضن: يقطعن ولا يقربن. والأقواز جمع قوز مثل ثوب وأثواب:
وهو أصغر من الجبل. ومشرف: أي أقواز جبل مشرف عن أيمانهن. الفوارس بمعنى الفرسان، ويمكن أن يريد موضعا بعينه يقول: نظرت أو تشرفت إلى ظعن يقطعن الأرض في السير بحيث كانت الأقواز عن شمالهن وعن أيمانهن الفوارس لحمايتهن. وقبل البيت:
نظرت بجرعاء السبية نظرة * ضحى وسواد العين في الماء شامس شامس في الماء غامس: يريد أنه نظر ضحى وطول نهاره كان باكيا من يوم شامس إذا كان نهاره كله ضحى (إلبس لكل حالة لبوسها * إما نعيمها وإما بوسها)
(٤٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 ... » »»
الفهرست