تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - ج ١ - الصفحة ٢٢٧
وذلك إليهم ان شاؤوا اهتدوا وان شاؤوا ضلوا وهم مجوس هذه الأمة وكذب أعداء الله المشية والقدرة لله " كما بدأكم تعودون " من خلقه الله شقيا يوم خلقه كذلك يعود إليه شقيا ومن خلقه سعيدا يوم خلقه كذلك يعود إليه سعيدا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه (1) واما قوله
(1) لا كلام في مذهب الإمامية في أن العبد ليس بمجبور في أفعاله بل هو الذي يفعل حسنته وسيئته وهو المسؤول عنها يوم القيامة والقول بان الله تعالى فاعل أفعالهم باطل عندهم اجماعا وقد دلت عليه قبله الآيات والروايات، فاما الآيات فناهيك منها: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وقوله تعالي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ومن الروايات مضافا إلى ما مضى سابقا قول الصادق عليه السلام حين سئل عن معنى القدر قال: ما استطعت ان تلوم العبد عليه فهو فعله وما لم تستطع ان تلوم العبد عليه فهو فعل الله تعالى، يقول الله للعبد لم عصيت! لم فسقت! فهذا فعل العبد ولا يقول له لم مرضت لم طلت لم قصرت! لم ابيضضت لم اسوددت! لأنه فعل الله (الأنوار النعمانية 2 / 261) وان خطر في بال بأنه ما بال تلك الأخبار التي يجنح ظاهرها إلى الجبر كاخبار الطينة وكذا قوله عليه السلام: من خلقه الله شقيا يوم خلقه كذلك يعود إليه إلى آخر ما في متن الكتاب.
(قلنا) انه قد أجيب عنه بوجوه:
الأول: ما صار إليه علم الهدى السيد مرتضى (رح) فإنه قد استراح بالقول بأنها اخبار آحاد مخالفة للكتاب والاجماع فوجب ردها، فلذلك طرحها كما هو مذهبه في اخبار الآحاد أينما وردت، ذلك لان الكتاب والاجماع قد دلا على أن صدور الحسنة والسيئة إنما هو باختيار العبد وليس فيه مدخل للطينة بوجه من الوجوه.
والثاني: ما ذهب إليه ابن إدريس (رح) من أنها اخبار متشابهة يجب الوقوف عندها وتسليم أمرها إليهم عليهم السلام.
والثالث: ما صار إليه بعض المحدثين من حملها على المجاز والكناية كما يقال في العرف لمن أسدي عرفه إلى عباد الله وحسن خلقه هذا رجل قد عجنت طينته بفعل الخير وحب الكرم والتقوى.
والرابع: وهو المشهور في تأويل هذه الأخبار وما ضاهاها مما ظاهره الجبر ونفي الاختيار من أنه منزل على العلم الإلهي، فإنه سبحانه قد علم في الأزل أحوال الخلق في الأبد وما يأتونه وما يذرونه بالاختيار منهم فلما علم منهم هذه الأحوال وانها تقع باختيارهم عاملهم بهذه المعاملة كالخلق من الطينة الخبيثة أو الطينة الطيبة وحينئذ كتبت الشقاوة والسعادة في الناس قبل ان يجيئوا في حيز الوجود، وكما أن العلم بان زيدا اسود وبكرا البيض ليس علة للسواد والبياض الموجودين فيهما كذلك علم الله تعالى بكون زيد سعيدا أو شقيا لا يكون علة للسعادة والشقاوة فيه بل إنهما مستندتان إليه.
الخامس: وهو ألطف الوجوه ما قال غواص بحار الاخبار، وطلاع جواهرها عن الأستار، جدنا السيد الجزائري رحمه الله في أنواره من أن خلق الأرواح قد كان قبل خلق عالم الذر، وقد أجج سبحانه نارا وكلف تلك الأرواح بالدخول، كما سيأتي تفصيله عند تفسير الآية " وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم " في هذا الكتاب فمنهم من بادر إلى الامتثال ومنهم من تأخر عنه ولم يأت به، فمن هناك جاء الايمان والكفر ولكن بالاختيار، فلما أراد سبحانه ان يخلق لتلك الأرواح أبدانا تتعلق لكل نوع من الأرواح نوعا مناسبا له من الأبدان فيكون ما صنع بها سبحانه جزاءا لذلك التكليف السابق، نعم لما مزج الطينتين اثر ذلك المزج في قبول الاعمال الحسنة وضدها، هذا ما قبل في هذه المسألة، مضافا إلى ما ذكرناه سابقا في ابتداء الكتاب في حاشيتنا ص 38، من اشتراط البداء في ذلك، فيتبين لك ان القول بالبداء يقلع أساس الجبرية والقدرية كلتيهما، نعم من ذهب إلى انكاره فلابد له من الاقرار بالجبر فأقروا به بل اعتنقوا به. ج. ز.