ربك ليخبرنا ما معنى هذا المثل؟ فصام إرميا سبعا، فأوحى الله إليه يا ارميا اما البلد فبيت المقدس واما ما انبت فيها فبنو إسرائيل الذين أسكنتهم فيها فعملوا بالمعاصي وغيروا ديني وبدلوا نعمتي كفرا، فبى حلفت لامتحننهم بفتنة يظل الحكيم فيها حيرانا ولأسلطن عليهم شر عبادي ولادة وشرهم طعاما فليسلطن عليهم بالجبرية فيقتل مقاتليهم ويسبي حريمهم ويخرب ديارهم التي يغترون بها ويلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مأة سنة، فأخبر ارميا أحبار بني إسرائيل فقالوا له راجع ربك فقل له ما ذنب الفقراء والمساكين والضعفاء، فصام ارميا سبعا ثم اكل اكلة فلم يوح إليه شئ ثم صام سبعا واكل اكلة ولم يوح إليه شئ ثم صام سبعا فأوحى الله إليه يا ارميا لتكفن عن هذا أو لأردن وجهك في قفاك، قال ثم أوحى الله تعالى إليه قل لهم لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه، فقال ارميا رب اعلمني من هو حتى آتيه وآخذ لنفسي وأهل بيتي منه أمانا قال إيت موضع كذا وكذا فانظر إلى غلام أشدهم زمانا وأخبثهم ولادة وأضعفهم جسما وشرهم غذاءا فهو ذلك، فاتى إرميا ذلك البلد فإذا هو غلام في خان زمن (1) ملقى على مزبلة وسط الخان وإذا له أم تزني بالكسر وتفت الكسر في القصعة وتحلب عليه خنزيرة لها ثم تدنيه من ذاك الغلام فيأكله، فقال ارميا إن كان في الدنيا الذي وضعه الله فهو هذا، فدنى منه فقال له ما اسمك؟ فقال بخت نصر، فعرفه انه هو فعالجه حتى برأ ثم قال له تعرفني؟ قال لا أنت رجل صالح، قال انا ارميا نبي بني إسرائيل، أخبرني الله انه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل رجالهم وتفعل بهم كذا وكذا، قال فتاه في نفسه في ذاك الوقت ثم قال ارميا اكتب لي كتابا بأمان منك فكتب له كتابا، وكان يخرج في الجبل ويحتطب ويدخله المدينة ويبيعه.
(٨٧)