شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٣٢
وكان الجاحظ يفسق عمر بن عبد العزيز ويستهزئ به ويكفره، وعمر بن العزيز وإن لم يكن من الصحابة فأكثر العامة يرى له من الفضل ما يراه لواحد من الصحابة.
وكيف يجوز أن نحكم حكما جزما إن كل واحد من الصحابة عدل، ومن جملة الصحابة الحكم بن أبي العاص! وكفاك به عدوا مبغضا لرسول الله صلى الله عليه وآله!
ومن الصحابة الوليد بن عقبه الفاسق بنص الكتاب، ومنهم حبيب بن مسلمة الذي فعل ما فعل بالمسلمين في دولة معاوية، وبشر بن أبي أرطاة عدو الله وعدو رسوله، وفى الصحابة كثير من المنافقين لا يعرفهم الناس. وقال كثير من المسلمين: مات رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يعرفه الله سبحانه كل المنافقين بأعيانهم، وإنما كان يعرف قوما منهم، ولم يعلم بهم أحدا إلا حذيفة فيما زعموا، فكيف يجوز أن نحكم حكما جزما إن كل واحد ممن صحب رسول الله أو رآه أو عاصره عدل مأمون، لا يقع منه خطأ ولا معصية، ومن الذي يمكنه أن يتحجر واسعا كهذا التحجر، أو يحكم هذا الحكم!
قال: والعجب من الحشوية وأصحاب الحديث إذ يجادلون على معاصي الأنبياء، ويثبتون إنهم عصوا الله تعالى، وينكرون على من ينكر ذلك، ويطعنون فيه، ويقولون: قدري معتزلي، وربما قالوا ملحد مخالف لنص الكتاب، وقد رأينا منهم الواحد والمائة والألف يجادل في هذا الباب، فتارة يقولون: إن يوسف قعد من امرأة العزيز مقعد الرجل من المرأة، وتارة يقولون: إن داود قتل أوريا لينكح امرأته، وتارة يقولون:
إن رسول الله كان كافرا ضالا قبل النبوة، وربما ذكروا زينب بنت جحش وقصة الفداء يوم بدر.
فأما قدحهم في آدم عليه السلام، وإثباتهم معصيته ومناظرتهم من يذكر ذلك
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست