شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٣٧
الفاضلات وهي أول شهيدة في الاسلام، وقد كانت قريش أخذت ياسرا وسمية وابنيهما، وبلالا وخبابا وصهيبا فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ، فأعطوهم ما سألوا من الكفر، وسب النبي صلى الله عليه وآله، ثم جاء إلى كل واحد منهم قومه بأنطاع الأدم فيها الماء فألقوهم فيها، ثم حملوا بجوانبها، فلما كان العشى جاء أبو جهل فجعل يشتم سمية ويرفث، ثم وجاها بحربة في قبلها فقتلها، فهي أول من استشهد في الاسلام، فقال عمار للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله بلغ العذاب من أمي كل مبلغ، فقال: (صبرا يا أبا اليقظان، اللهم لا تعذب أحدا من آل ياسر بالنار)، قال أبو عمر: وفيهم أنزل ﴿إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان﴾ (1).
قال: وهاجر عمار إلى أرض الحبشة وصلى القبلتين، وشهد بدرا والمشاهد كلها وأبلى بلاء حسنا، ثم شهد اليمامة، فأبلى فيها أيضا، ويومئذ قطعت أذنه.
قال: وذكر الواقدي عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، قال:
رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرون؟ أنا عمار بن ياسر، هلموا إلى، وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت، فهي تذبذب وهو يقاتل أشد القتال.
قال أبو عمر: وكان عمار طويلا أشهل، بعيد ما بين المنكبين، قال: وقد قيل في صفته: كان آدم طوالا مضطربا، أشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين، رجلا لا يغير شيبه.

(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست