شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٣٣
فهو دأبهم وديدنهم، فإذا تكلم واحد في عمرو بن العاص أو في معاوية وأمثالهما ونسبهم إلى المعصية وفعل القبيح، احمرت وجوههم، وطالت أعناقهم، وتخازرت أعينهم، وقالوا مبتدع رافضي، يسب الصحابة، ويشتم السلف، فإن قالوا إنما اتبعنا في ذكر معاصي الأنبياء نصوص الكتاب، قيل لهم فاتبعوا في البراءة من جميع العصاة نصوص الكتاب، فإنه تعالى قال: ﴿لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله﴾ (١)، وقال: ﴿فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله﴾ (٢)، وقال: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ (٣).
ثم يسألون عن بيعة علي عليه السلام: هل هي صحيحة لازمة لكل الناس؟ فلا بد من (بلى)، فيقال لهم: فإذا خرج على الإمام الحق خارج أليس يجب على المسلمين قتاله حتى يعود إلى الطاعة؟ فهل يكون هذا القتال إلا البراءة التي نذكرها لأنه لا فرق بين الامرين، وإنما برئنا منهم لأنا لسنا في زمانهم، فيمكننا أن نقاتل بأيدينا، فقصارى أمرنا الان أن نبرأ منهم ونلعنهم، وليكون ذلك عوضا عن القتال الذي لا سبيل لنا إليه.
قال هذا المتكلم: على أن النظام وأصحابه ذهبوا إلى إنه لا حجة في الاجماع، وإنه يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ والمعصية، وعلى الفسق بل على الردة، وله كتاب موضوع في الاجماع يطعن فيه في أدلة الفقهاء، ويقول إنها ألفاظ غير صريحة في كون الاجماع حجة، نحو قوله: ﴿جعلناكم أمة وسطا﴾ (٤) وقوله: ﴿كنتم خير أمة﴾ (٥) وقوله:
﴿ويتبع غير سبيل المؤمنين﴾ (6).

(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست