شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٣٠
ولكن لا إلى حد يمتنع على كل من رأى الرسول أو صحبه يوما أو شهرا أو أكثر من ذلك أن يخطئ ويزل، ولو كان هذا صحيحا ما احتاجت عائشة إلى نزول براءتها من السماء، بل كان رسول الله صلى الله عليه وآله من أول يوم يعلم كذب أهل الإفك، لأنها زوجته، وصحبتها له آكد من صحبة غيرها. وصفوان بن المعطل أيضا كان من الصحابة، فكان ينبغي ألا يضيق صدر رسول الله صلى الله عليه وآله: ولا يحمل ذلك الهم والغم الشديدين اللذين حملهما ويقول صفوان من الصحابة، وعائشة من الصحابة، والمعصية عليهما ممتنعة.
وأمثال هذا كثير وأكثر من الكثير، لمن أراد أن يستقرئ أحوال القوم، وقد كان التابعون يسلكون بالصحابة هذا المسلك، ويقولون في العصاة منهم مثل هذا القول، وإنما اتخذهم العامة أربابا بعد ذلك.
قال: ومن الذي يجترئ على القول بأن أصحاب محمد لا تجوز البراءة من أحد منهم وإن أساء وعصى بعد قول الله تعالى للذي شرفوا برؤيته: ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين﴾ (١) بعد قوله: (قل إني أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم) (١) وبعد قوله: ﴿فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد﴾ (2)، إلا من لا فهم له ولا نظر معه، ولا تمييز عنده.
قال: ومن أحب أن ينظر إلى اختلاف الصحابة، وطعن بعضهم في بعض ورد بعضهم على بعض، وما رد به التابعون عليهم واعترضوا به أقوالهم، واختلاف التابعين أيضا فيما بينهم، وقدح بعضهم في بعض، فلينظر في كتاب النظام، قال الجاحظ: كان النظام

(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»
الفهرست