شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٢٤١
كان الصاحب رحمه الله يستهجن قوله: (عما في سراويلاتها)، ويقول: إن كثيرا من العهر أحسن من هذه العفة، ومعنى البيت الأول أن هذه الخلال الثلاث تراهن الملاح ضرائر لهن لأنهن يمنعنه عن الخلوة بالملاح والتمتع بهن. ثم قال: إن هذه الخلال هي التي تمنعه لا الخوف من تبعاتها، وقال قوم: هذا تهاون بالدين، ونوع من الالحاد. وعندي أن هذا مذهب للشعراء معروف، لا يريدون به التهاون بالدين، بل المبالغة في وصف سجاياهم وأخلاقهم بالطهارة، وإنهم يتركون القبيح لأنه قبيح، لا لورود الشرع به، وخوف العقاب منه، ويمكن أيضا أن يريد بتبعاتها تبعات الدنيا، أي لا أخاف من قوم هذه المحبوبة التي أنست بها، ولا أشفق من حربهم وكيدهم، فأما عفة اليد وعفة اللسان فهما باب آخر، وقد ذكرنا طرفا صالحا من ذلك في الاجزاء المتقدمة عند ذكرنا الورع.
وفي الحديث المرفوع: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يترك ما لا بأس به حذار ما به البأس).
وقال أبو بكر في مرض موته: إنا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأخذ لهم درهما ولا دينارا، وأكلنا من جريش الطعام، ولبسنا من خشن الثياب، وليس عندنا من فئ المسلمين إلا هذا الناضح، وهذا العبد الحبشي، وهذه القطيفة، فإذا قبضت فادفعوا ذلك إلى عمر ليجعله في بيت مال المسلمين، فلما مات حمل ذلك إلى عمر، فبكى كثيرا ثم قال: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده!
قال سليمان بن داود: يا بني إسرائيل، أوصيكم بأمرين أفلح من فعلهما، لا تدخلوا أجوافكم إلا الطيب، ولا تخرجوا من أفواهكم إلا الطيب.
(٢٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»
الفهرست