شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٥
من كل دين يخالف دين الاسلام، فلا بد من البراءة، لان بها يتم العمل! ألم يسمع هذا القائل قول الشاعر:
تود عدوى ثم تزعم إنني * صديقك إن الرأي عنك لعازب فمودة العدو خروج عن ولاية الولي، وإذا بطلت المودة لم يبق إلا البراءة، لأنه لا يجوز أن يكون الانسان في درجة متوسطة مع أعداء الله تعالى وعصاته بألا يودهم ولا يبرأ منهم باجماع المسلمين على نفى هذه الواسطة.
واما قوله: (لو جعل عوض اللعنة استغفر الله لكان خيرا له)، فإنه لو استغفر من غير أن يلعن أو يعتقد وجوب اللعن لما نفعه استغفاره ولا قبل منه، لأنه يكون عاصيا لله تعالى، مخالفا أمره في إمساكه عمن أوجب الله تعالى عليه البراءة منه، وإظهار البراءة، والمصر على بعض المعاصي لا تقبل توبته واستغفاره عن البعض الاخر، وأما من يعيش عمره ولا يلعن إبليس، فإن كان لا يعتقد وجوب لعنه فهو كافر، وإن كان يعتقد وجوب لعنه ولا يلعنه فهو مخطئ، على أن الفرق بينه وبين ترك لعنة رؤوس الضلال في هذه الأمة كمعاوية والمغيرة و أمثالهما، إن أحدا من المسلمين لا يورث عنده الامساك عن لعن إبليس شبهة في أمر إبليس، والامساك عن لعن هؤلاء وأضرابهم يثير شبهة عند كثير من المسلمين في أمرهم، وتجنب ما يورث الشبهة في الدين واجب، فلهذا لم يكن الامساك عن لعن إبليس نظيرا للإمساك عن أمر هؤلاء.
قال: ثم يقال للمخالفين: أرأيتم لو قال قائل: قد غاب عنا أمر يزيد بن معاوية والحجاج بن يوسف، فليس ينبغي ان نخوض في قصتهما، ولا ان نلعنهما ونعاديهما ونبرأ منهما، هل كان هذا إلا كقولكم: قد غاب عنا أمر معاوية والمغيرة بن
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»
الفهرست