شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٤
فأما قول من يقول: (أي ثواب في اللعن! وإن الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن؟ بل قد يقول له: لم لعنت؟ وإنه لو جعل مكان لعن الله فلانا، اللهم اغفر لي لكان خيرا له، ولو أن إنسانا عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يؤاخذ بذلك)، فكلام جاهل لا يدرى ما يقول، اللعن طاعة، ويستحق عليها الثواب إذا فعلت على وجهها، وهو أن يلعن مستحق اللعن لله وفى الله، لا في العصبية والهوى، ألا ترى أن الشرع قد ورد بها في نفى الولد، ونطق بها القرآن، وهو أن يقول الزوج في الخامسة:
(إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين (١)) فلو لم يكن الله تعالى يريد أن يتلفظ عباده بهذه اللفظة وإنه قد تعبدهم بها، لما جعلها من معالم الشرع، ولما كررها في كثير من كتابه العزيز، ولما قال في حق القاتل: (وغضب الله عليه ولعنه (٢))، وليس المراد من قوله: (ولعنه) إلا الامر لنا بأن نلعنه، ولو لم يكن المراد بها ذلك لكان لنا أن نلعنه، لان الله تعالى قد لعنه، أفيلعن الله تعالى إنسانا ولا يكون لنا أن نلعنه!
هذا ما لا يسوغ في العقل، كما لا يجوز أن يمدح الله انسانا إلا ولنا أن نمدحه، ولا يذمه إلا ولنا أن نذمه، وقال تعالى: (هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله (٣))، وقال: ﴿ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا﴾ (4)، وقال عز وجل:
(وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا (5)). وكيف يقول القائل: إن الله تعالى لا يقول للمكلف: لم لم تلعن؟ ألا يعلم هذا القائل أن الله تعالى أمر بولاية أوليائه، وأمر بعداوة أعدائه، فكما يسأل عن التولي يسأل عن التبري! ألا ترى أن اليهودي إذا أسلم يطالب بان يقال له: تلفظ بكلمة الشهادتين، ثم قل: برئت

(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»
الفهرست