شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٧٤
(466) لأصل:
وقال عليه السلام: منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا.
الشرح:
تقول: نهم فلان بكذا فهو منهوم، أي مولع به، وهذه الكلمة مروية عن النبي صلى الله عليه وآله: (منهومان لا يشبعان: منهوم بالمال، ومنهوم بالعلم). والنهم بالفتح:
إفراط الشهوة في الطعام، تقول منه: نهمت إلى الطعام بكسر الهاء إنهم فأنا نهم، وكان في القرآن آية أنزلت ثم رفعت: (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب).
فأما طالب العلم العاشق له، فإنه لا يشبع منه أبدا، وكلما استكثر منه زاد عشقه له، وتهالكه عليه. مات أبو عثمان الجاحظ والكتاب على صدره.
وكان شيخنا أبو علي رحمه الله في النزع وهو يملي على ابنه أبى هاشم مسائل في علم الكلام، وكان القاضي أحمد بن أبي داود يأخذ الكتاب في خفه وهو راكب، فإذا جلس في دار الخليفة اشتغل بالنظر فيه إلى أن يجلس الخليفة، ويدخل إليه. وقيل:
ما فارق ابن أبي داود الكتاب قط إلا في الخلاء. وأعرف إنا في زماننا من مكث نحو خمس سنين لا ينام إلا وقت السحر صيفا وشتاء مكبا على كتاب صنفه، وكانت وسادته التي ينام عليها الكتاب.
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»
الفهرست